تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كليلة ودمنة صناعة عربية لا هندية]

ـ[قريع دهره]ــــــــ[24 - 10 - 2004, 08:11 م]ـ

يعود للدكتور محمد رجب النجار، أستاذ الفولكلور بجامعة الكويت في الوقت الراهن، فضل تخليص كتاب لكليلة ودمنة لابن المقفع من اسر الفرس والهنود، واقرار عروبته بصورة نهائية. فهذا الكتاب الذي يجري التعامل معه عادة على أنه من ابداع الهنود، وأحياناً من ابداع الفرس، هو من وضع ابن المقفع، أي من ابداعه، وليس مجرد نقل أو ترجمة عن اصل أجنبي.

ويبدو أستناداً إلى المقدمة التي وضعها ابن المقفع لكليلة ودمنة، انه هو نفسه ساهم في حجب فضله في هذا الكتاب، إذ زعم أن كتاب كليلة ودمنة هو مما وضع اصوله علماء الهند من الأمثال والأحاديث القصصية، فقام بنقله - أي بترجمته (وهذا زعم غير صحيح البتة)، أو بالأحرى بتفسيره، على حد تعابير صاحب الفهرست. ويبدو انه كانت لابن المقفع اسبابه في التواري خلف مؤلفين هنود، تتلخص في انه لم يكن يريد ان يدخل في صراع مكشوف مع السلطة الحاكمة في بغداد يومها، وعلى رأسها ابو جعفر المنصور المشهور بعنفه ودمويته، فذكر انه مجرد ناقل لا مؤلف .. ولكنه، لسلامة طويته، عاد ووضع في المحذور، عندما نبه قارئه الى ألا يتعامل مع هذا الكتاب على انه مجرد اخبار عن حياة بهيمتين، او محاورة سبع لثور، وانما هو ابعد من ذلك بكثير ..

ويبدو ان لفت ابن المقفع نظر القارئ الى ما ينبغي ان يضعه في حسابه وهو يقرأ كتابه، هو وراء نكبته وموته على يد اذناب المنصور في البصرة. ولولا ذلك لربما كان بإمكان ابن المقفع ان يتظاهر ببراءته وان يدلي بأنه مجرد مترجم لقصص عن البهائم والطير متداولة في الآداب الأجنبية ..

ولكن ابن المقفع، بوعي منه او بدون وعي، قلل من أهمية، صنعه في كتابه هذا، وترك هذه الغشاوة على اعين الباحثين العرب، والأجانب أيضاً، عندما زعم أنه مجرد ناقل، وليس مبدعاً. ولم يخفف من اثر ذلك ما عاد ولفت نظر القارئ اليه، وهو ان للكتاب ظاهرا غير مقصود، وباطناً هو المقصود. فهو من جهة، نسب للهنود فضلاً كبيراً سنرى لاحقاً انه غير دقيق. وهو من جهة ثانية كان قصير النظر من ناحية السياسة والتدبير عندما دل القارئ على مفاتيح قراءة هذا الكتاب.

ونبدأ بالاشارة الى هذه المفاتيح التي نصح ابن المقفع قارئه بالتزود بها من أجل مغاليق هذا الكتاب:

- ينبغي لقارئ هذا الكتاب ان يعرف الوجوه (الأغراض) التي وضعت له، وألا تكون غايته التصفح لتزاويقه.

- ينبغي لقارئ هذا الكتاب اعمال الروية فيما يقرأ، وان القارئ (العاقل) هو الذي يعلم غرضه ظاهرا وباطنا.

- ينبغي لقارئ الكتاب ان يديم فيه النظر من غير ضجر، ويلتمس جواهر معانيه، ولا يظن ان نتيجته الاخبار عن حيلة بهيميتين او محاورة سبع لثور فينصرف بذلك عن الغرض المقصود.

- ينبغي لقارئ هذا الكتاب ان يعمل بمن علم، ويجعله مثالاً لا يحيد عنه ودستورا يقتدي به.

- ينبغي للناظر في هذا الكتاب ان يعلم انه ينقسم الى اربعة اغراض: صرح ابن المقفع بثلاثة منها (تضليلا)، اما الغرض الرابع فلم يصرح به، مع انه (الاقصى) (مخصوص بالفيلسوف خاصة).

ولكن هذه المفاتيح هي التي فضحت ابن المقفع وكشفت ستره، إذ جعلت عيون ابي جعفر المنصور تنتبه الى امر هذا المثقف المهتم بفضح الفئة الحاكمة في زمانه، والداعي الى نظام سياسي يسود فيه العدل. وإذا كان ابن المقفع قصير النظر لهذه الجهة، ولم يقدر جيدا حساباته مع الحاكم العباسي، فإنه لم يكن اكثر توفيقا عندما نسب هذا الكتاب الى الهنود، وبذلك كان كالمنبت لا ارضا قطع، ولا ظهرا ابقى ..

ولكن الزمن يدور دورته ويعطي هذا المثقف المبشر بالعدل حقه في ابداعه، فينسب البحث الحديث هذا الكتاب اليه، وبالتالي الى الحضارة العربية الإسلامية التي كُتب هذا الكتاب في اطارها، بالرغم من ان ابن المقفع كان فارسي الأصل وشعوبياً وذا نزعة ثانوية ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير