ثم يتحدث المؤلف هنا عن أعداء الإسلام ومعاداتهم للأمة الإسلامية، ولما للغة العربية من أثر في العرب والمسلمين - فهي ليست فقط لغة قومية، وإنما هي أيضا لغة دينية - ورأي الأعداء أن السيطرة على الأقوام لا تكون بالحديد والنار فحسب، وإنما تكون بالسيطرة على العقول، وأن السبيل إلى ذلك إنما يكون بإضعاف لغة الأمة ومحوها حتى تبعد الشقة بين الشعوب وماضيها.
ويذكر المؤلف ما حدث من الفرنسيين في الجزائر وكيف فرض الفرنسيون اللغة الفرنسية على أبناء الجزائر وحاربوا القرآن على أنه كتاب العربية الأكبر وحارسها الأمين وركنها الركين، لولا تصدي أبناء الجزائر وعلي رأسهم الشيخ المجاهد عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء المسلمين.
وينتقل المؤلف إلى الحديث عن مصر وما حدث بها من فرض الإنجليز اللغة الإنجليزية لغة التعليم من الابتدائية إلى نهاية التعليم العالي.
ويصف المؤلف الحال الذي وصلت إليه اللغة العربية في ذلك الوقت من الهوان وما وصل إليه المثقفون من الانسلاخ، ويذكر موقف ا لجلسة في البرلمان المصري طالب فيها أحد النواب بفرض اللغة العربية على المرحلة الابتدائية، وقام وزير المعارف وقتئذ بمعارضته ووصف الاقتراح بأنه تهور وغير محسوب، ولكنه فشل في إقناع النواب.
ويذكر المؤلف أن السودان لم تكن أحسن حالا من مصر، وأنه لولا المعهد الديني في أم درمان ولولا المعاهد المصرية التي فتحت صدرها رحيبا لكان للسودان اليوم شأن آخر، وكان نفس الحال في كل الدول العربية.
ويشير المؤلف إلى أن الأعداء لم يكتفوا بهذا، ولكن تعددت أساليبهم، وكثرت افتراءاتهم، وروجوا لهذه الافتراءات حتى صدقها للأسف أبناء اللغة من بعض الأدباء الذين ساعدوا الأعداء بالترويج لبضاعتهم الراكدة، ويذكر المؤلف أساليب المتكالبين علي اللغة فيذكر ثلاثة معاول للهدم هي:
1 - إحلال العامية محل الفصحى.
2 - إحلال الحرف اللاتيني محل الحرف العربي.
3 - الضربات الخفية.
أولاً: إحلال العامية محل الفصحى.
يورد المؤلف تحت هذا العنوان وقائع بعينها تدعوا جميعا إلى نبذ الفصحى وإحلال العامية محلها، فيشير إلى مجلة المقتطف، ودعوتها إلي رجال الفكر لبحث هذا الأمر، وكان ذلك في سنة 1881م ثم المرحلة الثانية وصدور كتاب لغة القاهرة تأليف ويلمور أحد القضاة الإنجليز في المحاكم المختلطة، وذلك عام 2091م، ثم متابعة عربية لمواطن عربي يدعو إلي نفس ما يدعو إليه الإنجليز وهو سلامة موسى.
ويخص المؤلف سلامة موسى ـ بوصفه أول العرب المنادين بترك ونبذ الفصحى ـ بالترجمة الثقافية، ويذكر له مقولته كلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني وأنا منها، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طوال حياتي سر ا، وجهرا فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب.
ثم يذكر المؤلف حجج الدعاة إلى الأخذ بالعامية وإحلالها محل الفصحى، وهي:
أولاً: التباين بين لغة الكتاب ولغة الخطاب.
ثانياً: قصور الفصحى عن الوفاء بحاجات الحضارة المتجددة.
ثالثا: صعوبة الفصحى وتعذر إتقانها رغم الجهود التي تبذل.
رابعا: جمود الفصحى وعدم استعدادها للتطور.
ثم يناقش المؤلف هذه الحجج بالأدلة والبراهين العقلية والموضوعية.
ثانياً: إحلال الحرف اللاتيني محل الحرف العربي
وهنا يتحدث المؤلف عن وسيلة جديدة للاعتداء علي اللغة العربية، وهي استبدال العربية باللغة اللاتينية في الحروف، وكان أول المبشرين بهذه الدعوة ويلمور، ثم تلاه المواطن العربي الأستاذ عبد العزيز فهمي وتلاهما بعد ذلك الكثير حتى كان آخرهم سعيد عقل حيث أصدر كتابا بعنوان: يارا "وهو ديوان شعر نظمه بالعامية وطبعه بالحروف اللاتينية في مطبعة أنطوان" في بيروت.
ثالثاً: الضربات الخفية:
وينتقل المؤلف إلى الصور والأساليب الأخرى التي انتهجها أعداء اللغة، وهي تقسيم دراسة الأدب العربي علي أساس إقليمي فيصبح هناك أدب شامي وآخر عراقي وثالث مصري .. إلخ.
ودعوة ثانية للحض على العناية بالأدب الشعبي، ودعوة ثالثة هي الدعوة للشعر المنثور، ورابعة هي الدعوة للنحو المبتدع إلى غير ذلك من الضربات الخفية.
لغتنا ليست ملكا لشعب بعينه
ويؤكد المؤلف أن اللغة العربية ليست ملكا لشعب بعينه، وإنما هي تراث العرب والمسلمين جميعا على اختلاف ديارهم وأقطارهم، وأنهم أسهموا جميعا عبر تاريخهم الطويل في إقامة أركانها وإحكام بنيانها، وإن تراثا هذا شأنه لا تستطيع أن تمتد إليه يد بالتحريف والتبديل.
تفرد لغتنا وتميزها
ثم يطوف المؤلف تحت هذا العنوان في حديقة اللغة العربية الغناء ويتفيأ ظلالها، ويشير إلي بعض من دقة تعبيراتها وبراعة التصوير، ويضرب أمثلة عديدة لهذا الأمر ثم يرد علي من في قلوبهم مرض بما حدث يوم أن عادت المركبة القمرية التي أطلقها الأمريكان، ورد الدكتور أحمد زكي في مجلة العربي ببحث قيم شائق مستفيضا عن هذا الحدث العظيم وكأنه هو الزائر.
ويعرج المؤلف في مقارنة سريعة بين اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية.
حق أبنائنا علينا
ويختم المؤلف قوله بأن على الآباء والأجداد تناول هذه اللغة كاملة من غير نقص سليمة من غير عوج، وأن من حق أبنائنا علينا أن نسكت الأفواه التي دأبت على تشكيكهم بلغتهم، وكذلك من حق أبنائنا علينا أن نيسر لهم تعلم هذه اللغة، وهذا لا يكون إلا بالممارسة والمحاكاة، وأن نحول دون صدور الكتب التي تدعو إلى التحلل من الفصحى، وتحض على الترخص في أساليبها، وبذلك تنساب لغة القرآن على كل شفاه، وتتردد على كل مسمع ويترنم بها في كل محفل.
العنوان: العدوان على العربية عدوان على الإسلام!
المؤلف: د. عبد الرحمن رأفت الباشا
الناشر: دار الأدب الإسلامي للنشر
منقول من الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net/web/misc.Article?vArticle=3722&WORD= اللغة%20العربية& thelang=A
¥