تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مرتبة التقدير له من المهتمين بالسُّنَّة يوما بعد يوم.

وكان لأحمد شاكر - رحمه الله تعالى- جهود في نشر كتب اللغة والأدب حيث نشر كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة و " لباب الآداب" لأسامة بن منقذ و " المعرَّب" للجواليقي، و " إصلاح المنطق" لابن السُّكيت و " الأصمعيات" و " والمفضلّيّات"، وكان يستعين في تحقيق كتب الأدب بأخيه محمود، وهذه الكتب الأخيرة شاركه فيها ابن خاله عبد السلام هارون. وفي يوم السبت 14/ 6/1958م أتته منيته ومضى لسبيله - رحمه الله تعالى- وأسبغ عليه رحمته ورضوانه-.

وللشيخ شقيق آخر اسمه علي كان قاضياً شرعياً.

عودة إلى الشيخ محمود شاكر:

ولد سنة 1909 م وتلقّى أول تعليمه في مدرسة الوالدة / أم عباس في القاهرة سنة 1916م. وبعد ثورة 1919. انتقل إلى مدرسة القربيّة بدرب الجماميز، ثم دخل المدرسة الخديوية الثانوية سنة 1921 م، ولنترك محمود شاكر يحدثنا عن هذا النظام المدرسي المسمى بـ (الأكاديمي) وكيف كانت نظرته له وما هي مشاعره عندما انتظم طالباً في هذه المدارس.

مدارس (دنلوب) وجرائمها في حق النشء تعليماً وتربية:

يقول -رحمه الله تعالى-: فمنذ بدأت أعقل بعض هذه الدنيا، وأرى سوادها وبياضها بعين باصرة شغلتني الكلمة وتعلق قلبي بها، لأني أدركت أول ما أدركت أن (الكلمة) هي وحدها التي تنقل إلى الأشياء التي أراها بعيني وتنقل إلي أيضاً بعض علائقها التي تربط بينها، والتي لا أطيق أن أراها بعيني .. ثم قذف بي أبي - رحمه الله- إلى المدرسة.

فلا أزال أذكر أول ساعة دخلتها، ولا أزال أذكر ذلك الرّعب الذي فض نفسي وهالني، حين صك سمعي ذلك الصوت المبهم البغيض إليّ منذ ذلك الحين، صوت الجرس! صوت مصلصل مؤذي، جاف، أبكم، أعجم لا معنى له، وإذا هو غل يطوقني ويشلّ إرادتي، رنين منكر سري بالفزع في نفسي، وردد الوجيب الوخاز في قلبي، كدت أكره المدرسة من يومئذ من جرّاء هذا الجرس الأعجمي الخبيث ... هكذا أخذني أول البلاء، ثم زاد وربا حين ساقونا إلى الفصول كالقطيع صفوفاً، ولكن لم يلبث فزعي أن تبدد بعد أن دخلنا الفصل، واستقر بنا الجلوس، ثم بدأ الدرس الأول على الرِّيق، وهو درس اللغة الإنجليزية! ونسيت كلّ ما نالني حين سمعت هذه الحروف الغربية النطق التي لم آلفها، وفتنتني وغلبني الاهتمام بها، وجعلت أسارع في ترديدها وحفظها. اغتالت هذه الحروف الجديدة وكلماتها كلّ همّتي، اغتالتها بالفرح المشوب بطيش الطفولة، وكان حبُّ الجديد الذي لم آلفه قد بزّ حسن الانتباه إلى القديم الذي ألفته منذ ولدت، فقلَّ انتباهي إلى لغتي العربية، قصر انتباهي إليها، بل لعلي استثقلتها يومئذ وكدت أنفر منها، وكذلك صرت في العربية ضعيفاً جداً، لا أكاد اجتاز امتحانها إلا على عسر، وعلى شفى، وهكذا أنفذَ (دنلوب) ا للعين أول سهامه في قلبي من حيث لا أشعر، ودرجت على ذلك أربع سنوات في التعليم الإبتدائي، ولبلاء يطغى علي عاما بعد عام، ولكن كان من رحمة الله بي أن أدركتني ثورة مصر في سنة 1919 م وأنا يومئذ في السنة الثالثة، فلما كانت السنة الرابعة سقطت في امتحان - الشهادة الإبتدائية - ... وصنع الله حيث سقطت، وأحسن بي إذ ملأ قلبي مللاً من الدروس المعادة، واتسع الوقت فصرت حراً أذهب حيث يذهب الكبار إلى الأزهر، حيث أسمع خطب الثوار، وأدخل "رواق السنارية" وغيره بلا حرج، وفي هذا الرواق سمعت أول ما سمعت مطارحة الشعر، وأنا لا أدري ما الشعر إلا قليلاً، وكتب الله لي الخير على يد أحد أبناء خالي ممن كان يومئذ مشتغلاً بالأدب والشعر، فأراد يوما أن يتخذني وسيلة إلى شيء يريده من عمته، التي هي أمي - رحمها الله-، فأبيت إلا أن يعطيني هذا الديوان الذي سمعتهم يقرؤون شعره ويتناشدونه، وقد كان، فأعطاني ديوان المتنبي بشرح الشيخ "اليازجي"، وكان مشكولاً مضبوطاً جيد الورق، فلم أكد أظفر به حتى جعلته وردي، في ليلي ونهاري، حتى حفظته يومئذ، وكأن عيناً دفينة في أعماق نفسي قد تفجرت من تحت أطباق الجمود الجاثم، وطفقت أنغام الشعر العربي تتردد في جوانحي، وكأني لم أ جهلها قط، وعادت الكلمة العربية إلى مكانها في نفسي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير