وخانقة ذبحت صوته وهيض اللّسان لها واعتقل
وأغضى على ذلّة مطرقا عليه من الهم مثل الجبل
أقام وما أن به من حراك تخاذل أعضاؤه كالأشل
ولكن الشيخ يختم قصيدته بالأمل وبوجوب ترك اليأس بعد السقوط على خلاف ختم الشماخ قصيدته:_
أفق يا خليلي أفق لا تكن حليف الهموم صريع العلل
فهذا الزمان وهذي الحياة علمتنيها قديما .. دول!!
أفق لا فقدتك ماذا دهاك؟ تمتع! تمتع بها لا تُبَل
بصنع يديك تراني لديك، في قدِّ أختي! ونِعْمَ البدل
صدقت! صدقت! وأين الشّباب؟ وأين الولوع؟ وأين الأمل؟
صدقت! صدقت!! نعم صدقتُ! سِرُّ يديك كأن لم يزل
حباك به فاطر النّيرات، وباري النّبات، ومرسي الجبل
فقم واستهِلّ، وسبّح له! ولبَّ لرب تعالى وجل
كانت هذه القصيدة وما زالت صفعة في وجه الراحلين عن ثقافتنا وتراثنا، مصعرين خدودهم باحتقار وازدراء، موجهين هاماتهم نحو اليونان والرومان لا يعرفون إلا الأساطير الوثنية، ولا يتمثلون إلا الصور الشِّركية لآلهتهم النجسة، لقد كانت هذه القصيدة وما زالت محطمة للحواجز الوهمية التي يزعمها أهل الصّغار في عدم فهمهم للتراث وعدم استيعابهم له، فها هو الشيخ/ شاكر يقتحم أكثر الحصون مناعة في الشعر الجاهلي، شعر الشماخ الذي قيل فيه:- (كان شديد متون الشعر، أشد أسر كلام من لبيد وفيه كزازة) واستخرج منه شاكر هذه اللؤلؤة الصافية، يستخدمها ليبث روحه فيها، ويجللها بمضمون فلسفي رائع، يكشف بها عن نفسه وعن آرائه وقدراته، ولذلك وقف النقاد وقفة احترام وتقدير لهذه القصيدة، وكثرت الدراسات حولها، ومن هؤلاء النقاد: الدكتور إحسان عباس، والدكتور مصطفي هدّارة، وزكي نجيب محفوظ، ومحمد محمد أبي موسى ..
يقول الدكتور إحسان عباس عنها: - " ليست في محاولة الإبتكار بقدر ما هي في العودة إلى التراث، وربط الحاضر بالماضي، وإيداع القوة الرمزية فيما يبدو بسيطا ساذجاً لأول وهله. وفي ذلك كله نوع من الإبداع جديد، وبرهان ساطع على أن تطلب الرموز في الأساطير الغربية عن التراث يدل على جهل به، أو على استسهال لاستخدام رموز جاهزة أو عليهما معاً.
وفي سنة 1952 م كذلك، نشر الشيخ/ محمود شاكر كتاب " طبقات فحول الشعراء" وانشغل فيه بتحقيق تفسير الإمام الطبري " جامع البيان وتأويل القرآن"، والذي شاركه فيه أخوه أحمد، فنشر منه ثلاثة عشر مجلداً، ولكن بعد وفاة أخيه تقاعس الشيخ محمود عن العمل في هذا التفسير حيث أنه خلال ثلاثة عشر عاماً بعد وفاة شقيقه لم ينشر سوى ثلاثة مجلدات ثم ترك العمل لخلاف حصل بينه وبين دار المعارف التي تولت نشر الكتاب.
وفي سنة 1958 م كتب شاكر فصلاً في إعجاز القرآن كان مقدمة لكتاب مالك بن نبي " الظاهرة القرآنية" ونشر هذا الفصل في كتاب مستقل " مداخل إعجاز القرآن".
الشيخ في سجن عبد الناصر ...
وفي سنة 1959م سُجِنَ الشيخ تسعة أشهر مع إخوانه وذلك عندما تعرض الإسلاميون للمحنة الأولى في صدامهم مع الهالك عبد الناصر .. وكان سبب سجنه - رحمه الله- وقوته ضد ممارسات العسكريين الذين استلموا الحكم بعد انقلاب 1952 م.
وفي سنة 1962 نشر الجزء الأول من " جمهرة نسب قريش" للزبير بن بكّار.
معركة " أباطيل وأسمار" وسجن الشّيخ مرّة أخرى:
في سنة 1964 بدأ لويس عوض - الذي عُيِّنَ مستشاراً ثقافياً لجريدة الأهرام - ينشر مقالات تحت عنوان: (على هامش الغفران- شيء من التاريخ) مزج في مقالاته خبث الطويّة التي كان مبناها على نصرانية الأصل، وتربيته في الغرب، مع جهل بتاريخ الأمة ولغتها، فاشتعلت حمية الشيخ /محمود شاكر لمّا رأى:-
كشيش أفعى أجمعت لعضٍّ فهي تحك بعضها ببعض
وإذا هو أسود سالخ (وهو أقتل ما يكون من الحيّات) يمشي بين الألفاظ فيسمع لجلده حفيف، ولأنيابه جرش، فما زلت أنحدر مع الأسطر والصوت يعلو، يخالطه فحيح، ثمّ ضباج، ثم صفير، ثم نباح (وكلها من أصوات الأفاعي) .. بهذا قرر الشيخ أن يترك عزلته عن الكتابة، ويمسح عن قلمه الصدأ الذي أصابه، ويخرج وقد لبس لأمته ليكشف ما يقوم به المزورة لتاريخنا، الداعون إلى تحطيم مقومات هويتنا، فبدأ بنقض ما يقوله لويس عوض، وقام بكشف جهله وجهل جماعته بآداب هذه الأمة، وصال فيهم بثقة اكتسبها من إدراكه العميق لهذه الثقافة، ومن ثقته بهذا الدين، وأرجع هجومهم على هذه الثقافة على أصولها، وأنها هجوم على دين الله تعالى،
¥