قال أبو حيَّان: (و " سيَّ " في " لاسيّما " هو اسم " لا " منصوب، وخبرها محذوف لفهم المعنى، فإذا قلت: " قالم القوم لاسيّما زيدٌ " فالتقدير: لا مثلَ قيام زيدٍ قيامٌ لهم). (الارتشاف 3/ 1552) وذهب الأخفش إلى أنَّ الخبر " ما " من " لاسيّما " وهي اسم موصول بمعنى " الَّذي ".
المبحث الثاني: أحكام عامّة تتعلق بـ " لاسيّما "، وفيه أحد عشر حكماً ([2]):
الأوَّل: حكم اقتران " لاسيّما " بـ " الواو ":
رأى بعض النّحاة كثعلب وجوب اقتران " لاسيّما " بـ " الواو "، مستدلاًّ على ذلك ببيت امرئ القيس: " ولاسيّما يوم بدارة جُلجُلِ "، قال ابن هشام: (قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء – أي في البيت بدون الواو – فهو مخطئ). (المغني 149)
وجمهور النّحاة يرون جواز دخول " الواو " على " لاسيّما " نحو: (قام القوم ولاسيّما زيدٌ)، وقد تحذف مستدلّين بقول الشَّاعر:
فِهْ بالعُقود وبالأَيمان، لاسِيَما عقْدٌ وفاءٌ به من أعظم القُرَب
وأمَّا الرّضيّ فقد أجاز دخول الواو عليها وحذفها بشرط جعلها مصدراً، أي بمعنى: خصوصاً، قال: (ويجوز مجيء " الواو " قبل " لاسيّما " إذا جعلته بمعنى المصدر، وعدم مجيئها، إلاَّ أنَّ مجيئها أكثر). (شرح الكافية 1/ 249)
الثاني: حكم حذف " لا " من " لاسيّما ":
تضاربت أقوال النّحاة في حذفها وعدمه، فمن النّحاة من أوجب دخولها على (سيّما) كثعلب وجعل استعمالها بدون " لا " خطأ؛ أمّا ابن يعيش فقد ذهب إلى أنه لا يجوز الاستثناء بها حتى تأتي " لا "، قال: (ولا يُستثنى بـ " سيّما " إلاَّ ومعه جحْدٌ، لو قلت: " جاءني القوم سيّما زيدٌ " لم يجز حتى تأتي بـ " لا "، ولا يُستثنى بـ " لاسيّما " إلاَّ فيما يراد تعظيمه). (شرح المفصل 2/ 86)
وجعل أبو حيّان حذف " لا " غريباً وأنه يوجد في كلام المولَّدين، قال: (وكذلك حذف " لا " من " لاسيّما " إنّما يوجد في كلام الأدباء المولَّدين، لا في كلام من يحتجّ بكلامه). (الارتشاف 3/ 1552)
وذهب بعض النّحاة إلى جواز حذفها؛ وذلك لكثرة استعمالهم لها فتصرّفوا فيها تصرّفاتٍ كثيرة، منها حذف " لا ".
الثالث: حكم تخفيف " سيّ " وعملها بعد التخفيف:
ذهب ثعلب وتبعه ابن عصفور إلى أنه لا يجوز تخفيف الياء بل يجب تشديد يائها، مستدلاًّ ثعلب ببيت امرئ القيس السّابق في الحكم الأوّل؛ وابن عصفور حذراً من بقاء الاسم المعرب على حرفين.
وذهب جمهور النّحاة إلى أنّه يجوز تخفيف " سيّ " من " لاسيّما " فيقال: " لاسِيَما " حكاه الأخفش وابن الأعرابي والنّحاس، وابن جنّيّ، واستدلّوا على جواز التخفيف بالبيت السّابق: (فهْ بالعقود …… إلخ)؛ وفي ذلك ردٌّ على الزّاعمين بأنّها لا تخفف.
قال الرّضيّ: (وتُصُرِّف في هذه اللّفظة تصرّفات كثيرة؛ لكثرة استعمالها، فقيل: " سيّما " بحذف " لا " و " لاسيَما " بتخفيف " الياء " مع وجود " لا " وحذفها). (شرح الكافية 2/ 249)
ونصَّ الأخفش على جواز الخفض والرّفع حالة التّثقيل والتّخفيف، وذهب بعض النّحاة إلى أنّها إذا خُفّفت انخفض ما بعدها، وإذا ثُقّلت رفعت ما بعدها، وهو خلاف ما صرّح به الأخفش.
ثُمَّ اختُلف بعد تخفيفها في المحذوف أهو عين الكلمة أم لامها؟ فقال أبو حيّان:
(وأصل " سيّ ": سُوْي؛ والمحذوف عند ابن جنّيّ لام الكلمة، والأحسن عندي أن تكون المحذوفة عين الكلمة وقوفا مع ظاهر اللّفظ). (الارتشاف 3/ 1552)
الرّابع: حكم حذف " ما ":
نصَّ النّحاة على أنَّ سيبويه ذهب إلى جواز حذف " ما " من " لاسيّما "، فتقول: (لاسيّ زيدٍ) قال سيبويه: (وسألت الخليل – رحمه الله – عن قول العرب: ولاسيّما زيدٍ، فزعم أنه مثل قولك: ولا مثل زيدٍ، و " ما " لغوٌ) (الكتاب 2/ 286) وفي قولهم ردٌّ على زعم ابن هشام الخضراوي بأنَّ سيبويه قال: إنَّ " ما " زائدة لازمة.
الخامس: حكم دخول " الواو " على الجملة الّتي بعد " لاسيّما ":
ذهب بعض النّحاة إلى أنه لا يجيء بعد " لاسيّما " بجملة مقترنة بالواو، قال أبو حيان: (وما يوجد في كلام المصنِّفين من قولهم: " لاسيّما والأمر كذلك " تركيبٌ غير عربيّ) (الارتشاف 3/ 1552) وهو ما نصَّ عليه – أيضاً – المراديّ.
¥