تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الدَّمامينيّ ([98]): ولا أعرف أحداً ذهب إلى ما ذكره الرَّضيّ من أنَّ (لاسيَّما) منقول من باب " لا " التبرئة.

وقال المراديّ ([99]): (قولهم: " ولاسيّما والأمرُ كذا " تركيب فاسد).

وأقول: يَرُدُّ عليه أيضا أنّه إن كان مراده أنّها بمعنى: (خصوصا) من حيث إنَّ ما بعدها أولى ممَّا قبلها ومخصوص بالزّيادة، قيل له: هذا ملازم لها البتة، فلا معنى لقوله على جعلها بمعنى: (خصوصا) المفيد أنّها قد لا تكون بمعنى: (خصوصا)، وهو لا ينتج ما ذكره من أنَّ محلّها نصب مفعولا مطلقا، ولا يجوز وقوع الجملة بعدها، وإن أراد أنّها قائمة مقام (خصوصا)، وأنَّ حقّ المقام لـ (خصوصا) فنابت عنها (سيّ) وصارت مفعولا مطلقا، كما هو قاعدة النَّائب عن المصدر، فمن أين يأتيه هذا؟ وما الَّذي يدلُّ عليه من الاستعمالات العربيَّة؟ فالظَّاهر أن لا نقول بهذا النَّقل أصلا، ونجعل (راكبا) في مثاله تمييزا، وقد يأتي التمييز مشتقا، نحو: (لِلَّهِ درُّه فارسًا) ([100])، والمعنى: أُحبّ زيدا متصفا بجميع الأوصاف، ولا مثل شيء هو زيد المتصف بالرّكوب، أي: أنّ زيدًا إذا اتصف بالرّكوب أولى بالمحبَّة وأحقُّ منه إذا لم يتصف به.

وأمَّا المثال الثاني فهو فاسد كما قال المراديّ ([101])، وجزم به السّيوطيّ ([102])، بل ولو قلنا بالنَّقل فالقياس أنْ [لا] ([103]) يليها جملة أيضا؛ إذ سبب عدم وقوع الجملة بعدها إلحاقها بـ " إلاَّ "، وسبب الإلحاق الجامع بينهما: هو مخالفة ما بعد كلٍّ لما قبله على ما سبق، وهذا الجامع موجود [5/ب] سواء كانت بمعنى: (خصوصا) أو لا، فإلحاقها بـ " إلاَّ " في إحدى الحالتين دون الأخرى تحكُّمٌ، بل الواجب إلحاقها بها في الحالين، إذا علمتَ هذا علمت فساد قول المعترض على قولي في " الصَّغير"، ويَرِد عليه مثل ما ورد على ابن مالك سابقا، أي في قوله: بوصلها بالجملة الصَّريحة المعْنِيّ به ما عرفت ما نصّه هذا في محل المنع، فقد نصّ أهل العربيَّة على أنّها إذا كانت بمعنى: (خصوصا) تقع الجملة بعدها، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى، ثم قال: (وحينئذٍ فقولهم: إن (لاسيّما) بمنزلة (إلاَّ) فلا يليها جملة، محلُّه إذا كانت باقية على معناها، وأمَّا إذا كانت بمعنى: (خصوصا) فقد خرجت عن معناها فلا تنزيل حينئذٍ، ومن زعم أنه لا بدّ من التنزيل في الحالتين وإلاَّ كان تحكُّما، فقد رَكِبَ متْنَ عَمْياء، وخَبَطَ خبْطَ عَشْواء، ولا [يدرى] ([104]) أين يتوجه) انتهى كلامه.

وأقول: نصَّ أهل العربيَّة على ما ذكر مذهبا لهم لم يوجد، كيف وقد قال الدَّمامينيّ مع سعة اطلاعه: (لم أره لغير الرَّضيّ)، على أنّهم لو قالوا به لورد عليهم ما علمت من التحكّم إذ هو مجرد اعتراضٍ عقليّ؛ وهذا آخر ما أورده المعترض [علينا] ([105])، وقد علمت ردّ جميع ما أورده من الاعتراضات الهوائيَّة، ولا نَرُدُّ عليه بمثل ما ذكره من النّزول الذَّميم، إذ لا يرتكبه إلاَّ كلُّ أحمق لئيم.

ثم قال المصنّف: (وَلا تُحْذَفُ " لا " مِنْ " سِيّما " الأَوْلى أن يقول: (مِنْ لاسِيّما) كما هو ظاهرٌ؛ إذْ حَذْفُ الشَّيء فرع ثبوته، وكأنّه ضَمّن (تُحْذَفُ) معنى:

(تُفْصَلُ)، أي: فصلا متحققا بحذف (لا)، وإنما لم تُحذف لما سبق من أنه جارٍ مجرى الأمثال.

(وسِيَّ خَفِّفْ) بحذف إحدى الياءين، ثُمَّ يُحتمل أنّها الأُولى أو الثانية وهو الظَّاهر لتطرّفها ([106])، (تَفْضُلا)، كما في قول أبي العلاء المعريّ ([107]):

وللمَاء الفَضيلةُ كلَّ وقتٍ ولاسِيَما إذا اشتدّ [الأُوَارُ]

وقولِ الآخَر ([108]):

فِهْ بالعُقود وبالأَيمانِ لاسِيَما عَقْدٌ وَفَاءٌ به من أعظَمِ القُرَبِ

يُكتب (فِهْ) ونحوه بهاء السَّكت ولا ينطق بها وَصْلاً في الفصيح؛ وذكر ثعلبٌ أنّه خطأ ([109])، وظاهر كلامهم ترجيحه ([110])، وقد قرَّر أنّه لم يوجد إلاَّ ضرورة، والمصنّف [حيث أجاب] ([111]) بقوله: (تَفْضُلا) يُوهم أنّه الرَّاجح وليس كذلك فلو أبدل (خَفِّفْ) بـ (شَدّدْ) كان أنسب بقوله: (تَفْضُلا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير