تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قلت: نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة، وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّغهم رضى ربهم،وتنجيهم من عذابه يوم يقوم الأشهاد. قالت: إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..

لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها. وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً، ماذا أفعل، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف؟

وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها. وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت: هذه بعض أوراق أكتبها، أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي ... وقرأت القصاصات بعناية كبيرة، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ..

إنها خواطر حالمة، هي فتاة رقيقة المشاعر جداً، أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح، لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة ..

قلت لها: عباراتك جميلة منتقاة، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي، لم أفهم منها شيئاً، فماذا أردتِ أن تقولي ... ؟ بعد صمتٍ قالت: لا أدري ماذا أردتُ أن أقول: إني أشعر بالضيق الشديد، خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل، أقرأ المجلات النسائية المختلفة، أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين، يعجبني وجه فلانة، وقامة فلانة، وفستان علاَّنة، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم، بل إني أغفو وأنا في مكاني، فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي ... ، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره، هناك يرتحل النوم، فلا أعرف له مكاناً.

عجباً، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة، وتبدأ رحلتي مع الأرق، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها ... ((إنها مريضة)) قلتها في نفسي، نعم إنها مريضة بداء العصر؛ القلق الخطير، إنها بحاجة إلى علاج. قلت لها: ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة، يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق ...

قالت: عجباً لك، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة،كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا، وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح، ولكنها جميلة. وهنا سألتها مباشرة: هل لك هدفٌُ في هذه الحياة؟! بدا على وجهها الارتباك، لم تكن تتوقع السؤال، وقبل أن تجيب قلت لها: هل لك عقل تفكرين به، وهل لديك استقلال في التفكير؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل. هل أنتِ مسلمة؟! ..

هنا تغيَّر كل شيء، أسلوبها في الحديث تغيَّر، جلستها على المقعد تغيَّرت، قالت: هل تشك في أنني مسلمة؟! إني - بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام، لماذا تسألني هذا السؤال، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة ..... وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير