تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم أعلق على كلامها بشيء، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب ((كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما بعد-، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني: أتشك في إسلامي؟!

قلت لها: ما معنى الإسلام؟! قالت: هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج، تُلوِّن وجهها بالأصباغ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان .. فمن قال إنك طفلة ... ؟! قالت: لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة؟

قلت لها: ما الإسلام؟ ... قالت: الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم، قلت لها: وهو كما حفظنا ونحن صغار ((الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، و الخلوص من الشرك))، قالت: إي والله ذكرتني، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة! قلت لها: ما معنى ((الانقياد له بالطاعة)

سكتت قليلاً ثم قالت: أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك؟ قلت لها: عجباً لك، لماذا تعدّين حواري معك إساءة؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟ قالت: أنا ذكية وأفهم ما تعني، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني، ولكن بطريقة غير مباشرة .. قلت لها: ألست مسلمة؟

قالت: لماذا تسألني هذا السؤال؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى. قلت لها: أنا متأسف جداً، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا ... ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام، ويقول: إنه دين الإرهاب، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب، وقلت في نفسي: سبحان الله، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه، ويقال عنهم أهل الإرهاب ... وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً، وعبارة تحت صورتها تقول: إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة، وفوجئت بها تقول:

ماذا تقرأ؟ .. ولم أتحدث إليها، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها ... ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ... وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً: ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة! .. قلت لها:

لا أدري ما معنى القسوة عندكِ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها، إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة؟ فلماذا تزعجك أسئلتي؟ قالت: أشعر أنك تحتقرني .. قلت لها: من أين جاءك هذا الشعور؟ قالت لا أدري.

قلت لها: ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك، إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ، أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية، أنت تعيشين التأرجح بين حالتين ... وقاطعتني بحدّة قائلة: هل أنا مريضة نفسياً؟ ما هذا الذي تقول؟! قلت لها: أرجو ألاَّ تغضبي، دعيني أكمل، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية، أنتِ مهزومة من الداخل، لاشك عندي في ذلك، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها. قالت مذعورة ً: ما هي؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير