ما لا يرضيه ... وينبغي عدم الخوض في تفاصيل الذات الإلهية مع الطفل خشية من أي زلل قد نُحاسَب عليه " (18)
سادساً: مرحلة ما بين السابعة والعاشرة:
وهي مرحلة (غاية في الأهمية، لذا لا يصح التهاون بها على الإطلاق، ففيها تبدأ مَلكاته العقلية والفكرية في التفتح بشكل جيد، لذا فإنه يحتاج في هذه المرحلة إلى أن نصاحبه ونعامله كصديق، ومن خلال ذلك نغرس في نفسه فكرة العبودية لله تعالى بشكل عميق، فإذا أحضرنا له هدية مثلا وقال: "شكراً"، ذكرنا له أن الله تعالى أيضاً يستحق الشكر فهو المنعم الأول، فنقول له: " ما رأيك بعينيك، هل هما غاليتين عليك؟!، وهل يمكن أن تستبدلهما بكنوز الأرض؟! "، وكذلك الأذنين واللسان وبقية الجوارح ... حتى يتعمق في نفسه الإحساس بقيمة هذه الجوارح، ثم نطرح عليه السؤال " مَن الذي تكرَّم علينا وأعطانا هذه الجوارح؟ وكيف تكون حياتنا إذا لم يعطها لنا؟! " لذا فإن هذه الجوارح هي أغلى الهدايا التي منحنا الله عز وجل إياها- بعد الإيمان به- ومن الواجب أن نشكره هو وليس غيره على عطاياه) (19)
ومن الضروري بناء قاعدة تعليمية اختيارية لدى الطفل من خلال تشجيعه على القراءة، ومكافأته بقصة أو موسوعة مبسطة أو كتاب نافع أو مجلة جذابة مفيدة بدلاً من الحلوى، ولكن قبل أن نشتري له ما يقرأه يجب أن نتصفحه جيدا، فنبتعد مثلاً عن مجلة " ميكي " و"سوبرمان" و"الوطواط"، وأمثالها التي تحكي قصصاً تحدث في بيئة غربية وتنقل عاداتهم وتقاليدهم الغريبة علينا ... مما يؤثر بالسلب في أطفالنا، فنستبدلها مثلاً بمجلة "ماجد"، ومجلة "سلام وفرسان الخير" اللتان تصدران في الإمارات العربية، و تبثان القيم الدينية والأخلاقية في الطفل بشكل لطيف محبب إليه، بالإضافة إلى تثقيفه وتعليمه؛ وكذلك مجلتي: "العربي الصغير"، و"سعد" اللتان تصدران في الكويت.
ويمكن اصطحابه إلى مكتبة تبيع أو تقتني كتباً نعلم أنها جيدة، ثم نتركه يختار بنفسه. ولا بأس من أن نقص على الطفل في هذه المرحلة قصة النبي "يحي" عليه السلام ليكون قدوة له، (فقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النُُسُك والزهد والحب الإلهي ... كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
ويذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة، فقد كان يحيي معاصراً لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه) ..
وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.
فقال عيسى ليحيى: استغفر لي يا يحيى .. أنت خير مني.
قال يحيى: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.
قال عيسى: بل أنت خير مني .. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.
وتشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.
قال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل: إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟
وقد كان ميلاده معجزة .. فقد وهبه الله تعالى لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية .. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.
وكانت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال .. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت .. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام .. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
وكلما كبر يحيى في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيى يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته .. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}
¥