فنزلنا منزلاً .. وكنا صائمين وأردنا أن نصنع فطورنا .. فأقسم الغلام أن لا يصنع الفطور إلا هو .. فأبينا وأبى .. فذهب يصنع الفطور .. وأبطأ علينا .. فإذا أحد أصحابي يقول لي يا أبا قدامة اذهب وانظر ما أمر صاحبك .. فلما ذهبت فإذا الغلام قد أشعل النار بالحطب ووضع من فوقها القدر .. ثم غلبه التعب والنوم ووضع رأسه على حجر ثم نام .. فكرهت أن أوقظه من منامه .. وكرهت أن أرجع الى أصحابي خالي اليدين .. فقمت بصنع الفطور بنفسي وكان الغلام على مرأى مني .. فبينما هو نائم لاحظته بدأ يتبسم .. ثم اشتد تبسمه فتعجبت ثم بدأ يضحك ثم اشتد ضحكه ثم استيقظ .. فلما رآني فزع الغلام وقال: ياعمي أبطأت عليكم دعني أصنع الطعام عنك .. أنا خادمكم في الجهاد
فقال أبو قدامة: لا والله لست بصانع لنا شيء حتى تخبرني ما رأيت في منامك وجعلك تضحك وتتبسم
فقال: يا عمي هذه رؤيا رأيتها ..
فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها
فقال: دعها,, بيني وبين الله تعالى
فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها
قال: رأيت ياعمي في منامي أني دخلت إلى الجنة فهي بحسنها وجمالها كما أخبر الله في كتابه .. فبينما أنا أمشي فيها وأنا بعجب شديد من حسنها وجمالها .. إذ رأيت قصراً يتلألأ أنواراً , لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وإذا شُرفاته من الدرّ والياقوت والجوهر، وأبوابه من ذهب، وإذا ستور مرخية على شرفاته، وإذا بجواري يرفعن الستور، وجوههن كالأقمار .. فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب من حسنهن فإذا بجارية كأحسن ما أنت رائي من الجواري وإذ بها تشير إلي وتحدث صاحبتها وتقول هذا زوج المرضية هذا زوج المرضية .. فقلت لها أنت المرضية؟؟؟ فقالت: أنا خادمة من خدم المرضية .. تريد المرضية؟؟ ادخل إلى القصر .. تقدم يرحمك الله فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر، قوائمه من الفضة البيضاء، عليه جارية وجهها كأنه الشمس، لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية ..
فلما رأتني الجارية قالت: مرحباً بولي الله وحبيبه .. أنا لك وأنت لي
فلما سمعت كلامها اقتربت منها وكدت ان أضع يدي عليها قالت: ياخليلي ياحبيبي أبعد الله عنك الخناء قد بقي لك في الحياة شيء وموعدنا معك غدًا بعد صلاة الظهر ..
فتبسمت من ذلك وفرحت منه يا عم
فقلت له: رأيت خيرًا إن شاء الله.
ثم إننا أكلنا فطورنا ومضينا الى أصحابنا المرابطين في الثغور ثم حضر عدونا .. وصف الجيوش قائدنا ..
وبينما أنا أتأمل في الناس .. فإذ كل منهم يجمع حوله أقاربه وإخوانه .. إلا الغلام .. فبحثت عنه ووجدته في مقدمة الصفوف .. فذهبت إليه وقلت: يا بني هل أنت خبير بأمور الجهاد؟؟
قال لا يا عم هذه والله أول معركة لي مع الكفار.
فقلت يا بني إن الأمر خلاف على ما في بالك, إن الأمر قتال ودماء .. فيا بني كن في
آخر الجيش فان انتصرنا فأنت معنا من المنتصرين وإن هُزمنا لم تكن أول القتلى ..
فقال متعجبا: أنت تقول لي ذلك؟؟
قلت نعم أنا أقول ذلك
قال ياعم أتود أن أكون من أهل النار؟
قلت أعوذ بالله .. لا والله والله ما جئنا إلى الجهاد إلا خوفًا منها,,
فقال الغلام: فان الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأدبار وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
هل تريدني أوليهم الأدبار فأكون من أهل النار؟
فعجبت والله من حرصه وتمسكه بالآيات فقلت له يا بني إن الآية مخرجها على غير كلامك .. فأبى أن يرجع فأخذت بيده أُرجعه إلى آخر الصفوف وأخذ يسحب يده عني فبدأت الحرب وحالت بيني وبينه ..
فجالت الأبطال، ورُميت النبال، وجُرِّدت السيوف، وتكسرت الجماجم، وتطايرت الأيدي والأرجل .. واشتد علينا القتال حتى اشتغل كلٌ بنفسه، وقال كل خليل كنت آمله .. لا ألهينك إني عنك مشغول ..
¥