تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:13 ص]ـ

الحمد لله، وبعد ..

10_ (91) أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين، الإمام العلامة الزاهد الكبير موفق الدين أبو العباس الموصلي الكوَاشي الشيباني الشافعي (591_ 680هـ)

1_ عناية العالم بأحوال القلوب له ولتلاميذه:

قال الداودي رحمه الله عنه: (قال الشيخ تقي الدين أبو بكر المقصَّاتي:

قرأتُ على الشيخ موفق الدين تفسيره؛ فلما بلغتُ إلى (والفجر) منعني من إتمام الكتاب، وقال أنا أجيزه لك، ولا تقول قرأته كله على المصنِّف؛ يعني أن للنفس في ذلك حظاً) (1/ 101)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له:

يا لله ما أروع هذه النكتة السامية! ويُستفاد منها ما يلي:

أولاً: قوله (ولا تقول قرأته كلَّه على المصنِّف) فهذه فائدة غاية في النَّفاسة، وتظهر في أبواب:

أولاً: باب الإجازة وأحوال المجيزين اليوم.

فإنَّ من أعجب الأمور عند طلبة العلم المعتنين بالإجازات! حرصهم الشديد عليها، والتفاخر بها، وهذا عمل حسن جداً فيما لو عرف المرء قيمة هذه الإجازات، وهَيْبتها، ومقدار شرفها الذي تحمَّله؛ والأهم من هذا كله؛ ما يجب عليه أن يمتثله في سلوكه، وسمته، وهديه، وجميع شؤون حياته؛ ليكون أهلاً لهذه الإجازة التي تلقَّاها عن شيوخه؛ فيكون قراناً يمشى على وجه الأرض، كما كال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرعيل الأول.

ولكن يطالعنا اليوم ممن ينادي بنفسه بكثرة الإجازات والإهالات، ولكن دونما عملٍ، أو تحقيقٍ لمقصودها، أو التأسِّي بما تنادي به مما يجب عليه أن يكون عليه حامل هذه الإجازة من العلم، والتقوى، والصلاح، والخلق الحسن؛ فتعجب من سوء صنيع كثير ممن حمل هذه الإجازات.

ونظرة سريعة لمن يفاخر أنه قد أجازة الشيخ المقرئ في قراءة كذا.

أو من أجازه في كتاب معين أو قل (سلسلة كتب يقرأ أولها فقط!!!) ويجيزه في البقية دونما عرضه أو تحقيق لضبطه، وما يتبع ذلك.

وأصبحت القضية جمع الكثير منها، والمباهاة فيها؛ فخرجت عن مقصدها الشريف، وهدفها النبيل من دلالة على العلم، والضبط، والإتقان، وأصحبت _ والحق فيها _ أنها لا تغني ولا تُسمن من جوع، ومن حرص عليها؛ فكما يقال (للبركة!) (في الغالب!!)

وعليه؛ فلا تعجب أن تجد من المجازين، من ليس بضابطٍ، ولا متقنٍ، وهذه من المشكلات حقيقة؛ فلن يُمَيَّز الضابط من غيره، إن عُلِّق الأمر بالشهادات، دون التلاوات. والله المستعان.

غير أني أقول:

أنه مما ينبغي على المُجيِِِزِين، أن يعتنوا بطالب الإجازة، وأن يُفَرِّغوا له الوقت المناسب، الذي به يتحقق معرفة قدر ضبط الطالب من عدمه.

وكنت قديماً أحرص في الإجازة عل شيخ _ هو في محلَّتنا _ من أعلى القُرَّاء سنداً، واشترطتُ أن أقرأ تفسيراً معها.

ولكن ما دفعني لترك ذلك، ما لحظته من أمورٍ غريبة، أبرزها:

أن الإجازة بالتلاوة تكون في الطريق، وعند الإشارة، وفي سيارة الأجرة، وفي السوق!!

وكنت أقول للشيخ: يا شيخ أنا لا أرغب بالإجازة بهذه الطريقة!

فقال: استغلالاً للوقت.

فقلت: يا شيخ، أي استغلال هذا الذي يجعلني مشوش الفكر، ولا يجعلك مُتيقِّظ لي ولقراءتي! فالعبرة الضبط والإتقان، وبصراحة لا أحرص على غيره.

فكان أن قال: هذا ما عندي، ولا وقت لدي! والطلاب كُثُر، وكلهم يقرأ على هذه الطريقة.

فشكرتُه، وسلمت عليه، وقلت أما أنا فلا حاجة لي بإجازة كهذه!

هذه صورة من الصور المحزنة للأسف.

نعم إن الإجازة مسلك محمود، ولكن ليكن بأصوله، وضوابطه، وعلى منهاج العلماء الربانيين؛ الذين يعرفون للقرآن هيبته ومكانته، وكيفيَّة تلقِّيْهِ، نسأل الله العليَّ من فضله.

ثانياً: باب الإجازة في الكتب:من العجب أن تجد بعض الشيوخ اليوم في الحديث خاصة، يقرأ عليه الطالب طليعة الكتاب من أحاديث قليلة لا تجاوز أصابع اليد الواحدة، وتجده يقول لك: الشيخ المحدِّث المسند أجازني في الكتب الستة، والتسعة، والطبراني (الثلاثة) ويحشد لك حشداً من كتب السنة، لو أجهد نفسه في قراءاتها منذ ولد لما بلغ نصفها؛ فضلاً على أن يختمها؛ فضلاً على أن يختمها عند هذا الشيخ الوقور!

والعجب لو سألته عن حديث في الأبواب الأولى، ربما لم يقدر على قراءته صحيحاً فضلاً عن أن يعرفه!!

فبالله عليكم، أهذا يستحق أن ينال إجازة!! الله المستعان

وثانياً: في قوله: (يعني أن للنفس في ذلك حَظاً)

فهي من أعز النُّكت في مراعاة قلب التلميذ، من حب الثناء، والشرف به، والمفاخرة على الأقران، ولمَّا كان خوف الشيخ على تلميذه من الوقوع في ما لا تُحمَد عقباه (من مأثمٍ، أو خشية تدليسٍ) جاء بالنُّصح له في عدم التحديث بالختم عليه.

وهي وإن كانت كالشرح للجملة السابقة، إلا أن فيها مزيد فائدة من أنه ربما بهذا الأثر على النَّفس قد يصيب منها مقتلاً؛ وحينها يصعب الفكاك منه، والنُّكات السود على القلب خطرها جسيم، وداء القلب إن تناساه المرء خلَّف أضراراً كبيرة.

أسأل الله لي ولكم الوقاية من ذلك، وأن يقينا وإياكم مفسدات القلوب.

إنه سبحانه خير مسؤول

هذا ما سنح الآن في البال، والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير