ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:19 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
12_ (127) الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل، الحافظ العلامة المقرئ، شيخ الإسلام؛ أبو العلاء الهَمَذَاني العطَّار (483 _ 569هـ)
1_توضيح غريب، معنى (الدَّرْج):
قال الداودي رحمه الله عن أحد تلاميذه يحكي سعة علمه: (ولقد كان يوماً في مجلسه، فجاءته فتوى في عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فكتب من حفظه ونحن جلوسٌ دَرْجَاً طويلاً في أخباره) (1/ 133)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
والمراد بالدَّرْج: تارة يطلق على الكتب عامة، وتارة يطلق على ما يوضع فيها الأشياء كحقيبة مخصصة لورق وغيرها، وتارة يُقيَّد بالورق بالمستطيل مخالفاً لوصف الكتاب العام، وهو الصحيح؛ وهذا مصطلح معروف عند المحدثين.
يقول القَلْقَشَنْدِي في صبح الأعشى (1/ 138 ط: دار الكتب المصرية 1340هـ)
(والمراد بالدَّرْج في العرف العام: الورق المستطيل المركَّب من عدَّة أوصال، وهو في عُرف الزمان عبارة عن عشرين وصلاً متلاصقة لا غير.
قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب: وهو في الأصل اسم للفعل أخذاً من درجت الكتاب أُدْرِجه دَرْجاً، إذا أسرعت طيِّه، وأدرجته إدراجاً؛ فهو مُدرج إذا أعدته على مطاويه) أهـ.
2_ من آداب نيل العلم (الآداب الخارجية) وربانية العالِم:
قال الداودي رحمه الله عن أبي الفضل الأديب: (رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد؛ يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عالياً؛ فعُظِّم بعد ذلك شأنه في القلوب، حتى إنه كان يمرُّ في همَذان؛ فلا يبقى أحدٌ رآه إلا وقام ودعا له حتى الصبيان واليهود!!
وربَّما كان يمضي إلى بلدة مُشْكَان؛ فيصلي بها الجمعة؛ فيتلقَّاه أهلا خارج البلد؛ المسلمون على حدة، واليهود على حدة!! يدعون له إلى أن يدخل البلد))
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله درُّه رحمه الله؛ ففي هذا النص جملة من الفوائد:
الأولى: يكتب وهو قائم.
وهذه همَّة عالية منه رحمه الله؛ فلا غرو فهو أبو العلاء، وله من اسمه نصيب.
وهذا يُعَدُّ اليوم من آداب الطلب الخارجية؛ أعني تهيئة المكان المناسب للطلب، ومن جملة ذلك تهيئة الإنارة المناسبة الكافية؛ ذلكم حتى لا يُرْهق العين ويجهدها في حال إخفات الضوء أو ضموره.
وهذه من جملة الأداب في الطلب.
أيضاً: نكتة اخرى، وهي مدعاة للضبط، والتحقيق والتنقيح في الكتابة، والأمانة فيها وعدم القصور في الضبط، ولو أدَّى ذلك إلى تعب الجسد؛ فالعلم لا يستطاع براحة الجسد؛ ولأجل إخلاصه وصدقه في نيل العلم، جعل الله له لسان صدق في حياته وبعد مماته؛ فعظَّمتْهُ القلوب، الأحباب والخصوم؛ فجزاه الله خيراً
الثانية: عجب اليهود منه والدعاء له:
وهذه عجيبة غريبة؛ فإن ملة من أسوء الملل وأشدها خبثاً وأكثرها حقداً على المسلمين، يكون منها هذا! لهي دلالة على ربانية هذا العالم العامل الذي أثر عِلْمه، وعَمَلُه، وهَدْيه، وسَمْته في أعداء الإسلام، ليس هذا فحسب، بل إن تمسكه بالسنة في سائر حياته، والدَّرج على هدي الإسلام في عمره ومعاشه هو ما حمل اليهود على حبه والدعاء له.
بل حتى الفرق الضالة (كالمعتزلة) وهم أهل خوارزم يقول المصنِّف عنهم:
(تألَّفت القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم؛ الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبيلة!)
ألا فأين العلماء من الاقتداء بمثل هذا العالم العامل الناصح حسن الخلق.
والله إن مثل هذه السيِّر لنادرة، وينبغي لطالب العلم أن يعتني برجالات الملة الذين هذا حالهم؛ فهم مفخرة للإسلام وأهله، وفي سيرهم ومناقبهم ما يروق لكل مؤمن من عجائب الأحوال، وروائع الخِلال.
الثالثة: يدعون له إلى أن يدخل البلد.
إن العالم الرباني إذا دخل قرية استبشر أهلها بذلك؛ لِمَا يُجري الله من الخير والرزق لأهل تلك المحلَّه لنزول العالم فيها، وذلك لكرامة العلماء على ربهم، ومن هنا فلا تعجب إن مرَّ عليك مثل هذه القصص، كل ذلك رجاء بركة العالم وخيره على أهل البلد، سواء كان بالعلم او بالرزق الذي يمنحه الله لهم، ولذا كانت من حِكَم استغفار النملة والحيتان والدواب للعلماء لما يجري الله الخير والرزق عليهم بسببهم.
¥