فقلتُ: نعم؛ فقام إليَّ وعانقني، وأجلسني إلى جنبه، ثم قال لي: أولادي أُحِبُّ ان يتأدَّبوا بك، ويتخرَّجوا عَلَيْك، وتكون معي غير مفارقٍ لي؛ فأجبته إلى ذلك.) (1/ 192)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهنا فوائد عزيزة:
الأولى: سعة عِلْم الأخفش؛ مما جعله يُصَوِّبُ خَطَأَ الإمام الكِسَائي؛ ومعلوم أنَّ الكِسَائي إمامٌ في اللغة والنحو؛ كيف لا والشافعي _ وهو من هو في اللغة ولسان العرب _ يقول: (من أراد أن يتبحَّر في النَّحْو؛ فهو عيالٌ على الكِسَائي) تاريخ بغداد (11/ 407)
وهذا ثعلب؛ شيخ العربية يقول عن الكِسَائي: (أجمعوا على أن أكثر الناس كلَّهم رواية، وأكثرهم عِلماً هو الكِسَائي) مراتب النحويين (120)
فرجلٌ يُصَحِّحُ جوابَ عالمٍ هذا وصفه، في مئة مسألة، لدليلٌ على سعة عِلْمه، ووَفْرة معارفه.
الثانية: حرص الكِسَائي على العلم؛ ولو كان هذا العلم الذي يحتاجه، ممن أفحمه؛ فهو لا ينظر لهذا الأمر بقدر ما ينظر للفائدة والتحصيل النافع، وهذا خُلُق العالم الرباني، ينتهز الفُرص؛ لينتفع، ومتى ما كانت هذه السِّمة في طالب العلم أو العالم انتفع أيما انتفاع، ولذا اسمع ما يقول ابن الأنباري في الإمام الكِسَائي: (اجتمع للكِسَائي أمور لم تجتمع لغيره، وكان من أعلم الناس بالنَّحْو، وواحدهم في الغريب) تاريخ بغداد (11/ 414) بتصرف
ومن قارن موقفه وموقف أصحابه عرف عقل الكِسَائي وحرصه على العلم؛ فلذلك نال ما نال من العلم، ولأجله منع أصحابه من الأخفش؛ فرحمه الله من عالم رباني.
الثالثة: حرص الكِسَائي على تعليم ولده، وهذا حقٌّ، وواجبٌ، ودَيْنٌ في أعناق الوالدين.
يقول سفيان الثوري رحمه الله: " ينبغي للرجل أن يُكْرِهَ ولده على العلم؛ لأنه مسؤول عنه " السير (7/ 273)
يقول ابن الحاج رحمه الله في مدخله (1/ 209):
(وينبغي له أن يتفقَّد أهله بمسائل العلم فيما يحتاجون إليه؛ لأنه جاء من تعليم غيرهم طلباً لثواب إرشادهم؛ فخاصَّته ومن تحت نظره آكد؛ لأنهم من رعيته ومن الخاصة به كما في الحديث: " كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته " فيعطيهم نصيبهم؛ فيبادر لتعليمهم لآكد الأشياء في الدِّين أولاً، وأنفعها وأعظمها؛ فيعلمهم الإيمان، والإحسان، والإسلام، ويجدد عليهم علم ذلك وإن كانوا قد علموه، ويعلمهم الإحسان، ويعلمهم الوضوء، والإغتسال، وصفتهما، والتييم، والصلاة وما في ذلك كله؛ من الفرائض، والسنن، والفضائل، وكل ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم الأهم فالأهم)
الرابعة: تسميته بالكِسائي؛ فسببه أَنَّه أَحْرَم في كِسَاءٍ؛ فسمِّي به. قاله الداودي عنه في ترجمته (1/ 405)
3_ التصنيفُ والتأليف عند أهل العلم له أسباب:
قال الداودي رحمه الله يتابع حادثة الأخفش والكِسَائي: (فلما اتصلت الأيام بالاجتماع، سألني أنْ أُءَلِّفَ له كتاباً في معاني القرآن؛ فألَّفتُ كتاباً في المعاني) (1/ 192)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهنا مسألتان:
الأولى: متعلقة بكتابه المشهور (معاني القرآن)
والكلام عليه من وجوه:
أولاً: طبعاته: طبع عدة طبعات.
أجودها عندي:
طبعة الدكتور عبد الأمير الورد. عن دار عالم الكتب في مجلد. الأولى 1424هـ (وسبق وطبع في مجلدين) وهو رسالة علمية. (وجهده متميز، وقدَّم له بمقدمة طيبة، وقام بدراسته ومقارنته مع ثلاثة كتب هي: كتاب (المعاني) للفرَّاء (وقد اتَّكأ على كتاب الأخفش، ثم كتاب الكسائي كما أفادة الداودي في طبقاته 1/ 192) وكتاب أبي عبيدة (مجاز القرآن) وكتاب (الكتاب) لسيبويه وهذا في صـ (76) والحقيقة أن الجهد المبذول كبيرٌ جداً فجزاه الله خيراً.
والطبعة الثانية تحقيق الدكتورة هدى قراعة (ويذكر أن تحقيقها من أجود التحقيقات في مجلدين) وتصفحته سريعاً في إحدى المكتبات الخاصة.
وهناك طبعات سقيمة أو بلا تحقيق ولا ضبط فلا حاجة لذكرها.
ثانياً: بيان حال هذا الكتاب:
فقد قال أبو حاتم السجستاني رحمه الله: (كتابُه في المعاني صُويلح، إلا أن فيه مذاهب سُوْءٍ في القَدَر) السير (10/ 207) وهذا في باب الاعتقاد فقد نصر مذهبه الاعتزالي.
¥