تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمثلاً: عندما عرض لآية المحرمات من النساء في سورة النساء، نجده يعرض للخلاف الذي بين الحنفية والشافعية في حكم من زنى بامرأة، هل يحل له التزوج ببنتها أو لا؟ ثم يذكر مناظرة طويلة جرت بين الشافعي وغيره في هذه المسألة، ويناقش الشافعي فيما يرد به على مناظره، ويرميه بعبارات شنيعة لاذعة، كقوله: فقد بان أن ما قاله الشافعي، وما سلمه له السائل كلام فارغ، لا معنى تحته في حكم ما سئل عنه (6).

وقوله: ما ظننت أن أحداً ممن ينتدب لمناظرة خصم يبلغ به الإفلاس من الحجاج أن يلجأ إلى مثل هذا، مع سخافة عقل السائل وغباوته.؟

وقوله حين لم يرقه أحد أجوبة الشافعي على سؤال مناظره: ولو كلم بذلك المبتدئون من أحداث أصحابنا، لما خفي عليهم عوار هذا الحجاج وضعف السائل والمسئول فيه.

وهكذا، كان الجصاص شديداً على من خالفه، ومن لم يره محقاً، وفي عباراته شيء من القسوة.

5 ـ كلام الجصاص في الأئمة:

وذلك أنه في تضعيفه لبعض الأحاديث يجرح بعض الأئمة بكلام غير مسبوق، وهو مردود عليه بلا ريب، فمثلاً قال في:

أ) سفيان بن عيينة: أنه سيئ الحفظ، كثير الخطأ (7). وهذه زلة عظيمة من الجصاص، ولم أجد أحداً سبق الجصاص إلى ذلك. وقد ذكر الذهبي ابن عيينة في الميزان، وقال فيه: «وكان يدلس، لكن المعهود منه أن لا يدلس إلا عن ثقة، وكان قوي الحفظ، وما في أصحاب الزهري أصغر سناً منه، ومع هذا فهو من أثبتهم» (8).

ب) زكريا بن يحيى الساجي، قال فيه الجصاص: إنه غير مأمون (9). وقال الذهبي في الميزان عن الساجي: أحد الأثبات، ما علمت فيه جرحاً أصلاً. وقال أبو الحسن بن القطان: «مختلف فيه في الحديث، وثقه قوم وضعفه آخرون» (10). وتعقب ابن حجر كلام ابن القطان، وقال: «ولا يغتر أحد بقول ابن القطان، قد جازف بهذه المقالة، وما ضعف زكريا الساجي هذا أحد قط كما أشار إليه المؤلف» (11). وكذلك أقول لا يلتفت لكلام الجصاص في الساجي الإمام الثبت.

ج ـ طاوس بن كيسان، حيث قال فيه: «إنه كثير الخطأ» (12). ولم يذكره الذهبي في الميزان ولا غيره في الضعفاء. بل قال فيه الذهبي: «الحافظ الفقيه القدوة عالم اليمن»، ونقل عن ابن معين، وأبي زرعة توثيقه (13). وقال ابن حجر: «ثقة فقيه فاضل» (14). وطاوس عالم حافظ ثقة لا يلتفت لكلام الجصاص فيه.

د ـ ونافع مولى ابن عمر حيث قال فيه الجصاص: (قال نافع … بعد ما كبر وذهب عقله) (15). ولم يذكر أهل السير أن نافعاً بعدما كبر ذهب عقله.

6 ـ كلام الجصاص في الخلفاء:

أ) تكلم في خلفاء بني أمية، وعلى رأسهم معاوية الصحابي الجليل رضي الله عنه.

يقول: «وهذه صفة الخلفاء الراشدين، الذين مكنهم الله في الأرض، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ وفيه الدلالة الواضحة على صحة إمامتهم، لإخبار الله تعالى بأنهم إذا مكنوا في الأرض قاموا بفروض الله عليهم، وقد مكنوا في الأرض، فوجب أن يكونوا أئمة قائمين بأوامر الله، منتهين عن زواجره ونواهيه، ولا يدخل معاوية في هؤلاء؛ لأن الله إنما وصف بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم، وليس معاوية من المهاجرين، بل هو من الطلقاء (16). أهـ

ومثلاً: عند قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) (النور:55) يقول: «وفيه الدلالة على صحة إمامة الخلافة الأربعة أيضاً؛ لأن الله استخلفهم في الأرض، ومكن لهم كما جاء الوعد، ولا يدخل فيهم معاوية؛ لأنه لم يكن مؤمناً في ذلك الوقت (17).

وعند قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (الحجرات: 9)، نجده يجعل عليا (هو المحق في قتاله، أما معاوية ـ ومن معه ـ فهم الفئة الباغية، وكذلك كل من خرج على علي (18).

وما كان أولى بالجصاص أن يترك هذا التحامل على كاتب الوحي وأمير المؤمنين معاوية الصحابي الجليل، ولا يلوي مثل هذه الآيات إلى ميوله وهواه. وفهمه الخاطئ!

ب) وقال في يزيد بن معاوية: يزيد اللعين (19). قلت: والمتقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز لعن المسلم.

جـ) وقال في عبدالملك بن مروان: «ولم يكن في العرب، ولا آل مروان أظلم ولا أكفر من عبدالملك» (20).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير