تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

د) وقال في الحجاج بعد كلامه في عبدالملك: «ولم يكن في عماله أكفر، ولا أظلم، ولا أفجر من الحجاج». قلت: وكل ذلك من الجصاص زلة وخطأ لا يقر عليها، والله أعلم بحال كل إنسان.

الجصاص والاعتزال؟:

ذكر بعض المؤرخين أن الجصاص من المعتزلة، وقالوا: أن الجصاص من إحدى طبقات المعتزلة، واختلفت تعبيراتهم في ذلك، فبعضهم جعله من إحدى طبقات المعتزلة، والبعض الآخر قال: إنه يميل إلى الاعتزال.

فعده الحاكم الجشمي ضمن الطبقة الثانية عشرة من طبقات المعتزلة (21)، كما ذكره القاضي عبدالجبار ضمن الطبقة نفسها في كتابه «فرق وطبقات المعتزلة» (22).

وأيضاً في كتاب «تراجم الرجال» قال الجنداري: «ذكره المنصور بالله في طبقات المعتزلة» (23).

أما الذهبي فقد قال عنه: «إنه يميل إلى الاعتزال»، حيث قال في ترجمته: «وقيل: كان يميل إلى الاعتزال، وفي تواليفه ما يدل على ذلك في رؤية الله وغيرها» (24).

ومن المعاصرين: الدكتور محمد حسين الذهبي (25)، والدكتور مساعد مسلم آل جعفر، ومحي هلال السرحان (26)، قالوا: «إن له ميولاً اعتزالية».

ومن الملاحظ أن الكتب التي ترجمت له ـ وخصوصاً «تراجم الحنفية» (27) ـ لم تذكر أنه من المعتزلة سوى ما ذكرت.

ومن استقرائي لكتابه «أحكام القرآن» وجدت أن له بعض الآراء يميل فيها إلى ما ذهب إليه المعتزلة، وربما عن طريقها نسب إلى الاعتزال، وتقدم قول الذهبي عنه «إنه يميل إلى الاعتزال» ومن هذه الآراء:

1 ـ رأيه في الرزق:

ذكر الجصاص عند قوله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (البقرة:3) ما يؤخذ منها، فقال: «ولما مدح هؤلاء بالانفاق مما رزقهم الله، دل ذلك على أن إطلاق اسم الرزق إنما يتناول المباح منه دون المحظور، وأن ما اغتصبه وظلم فيه غيره لم يجعله الله رزقاً؛ لأنه لو كان رزقاً له لجاز إنفاقه وإخراجه إلى غيره على وجه الصدقة والتقرب به إلى الله تعالى» (28). فالذي سار عليه من أن الرزق إنما يطلق على الحلال دون الحرام هو ما تذهب إليه المعتزلة.

يقول ابن عطية عند تفسيره للآية نفسها: «والرزق ـ عند أهل السنة ـ ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً، بخلاف قول المعتزلة: إن الحرام ليس برزق» (29).

2 ـ رأيه في السحر:

بين الجصاص في كتابه عند تفسيره لقوله تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) (البقرة:102) القول في السحر، ومعناه عند أهل اللغة، وعند إطلاقه، ثم خلاف الفقهاء فيه. ومما قال في معناه: «إنه متى أُطلق فهو اسم لكل أمر مموه باطل لا حقيقة له ولا ثبات» (30).

وقال أيضاً بعد أن أورد بعض القصص عن السحر: "ومن صدق هذا فليس يعرف النبوة، ولا يأمن أن تكون معجزات الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من هذا النوع، وأنهم كانوا سحرة ... وقال الله تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه:69) ...

وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم من هذا وأفظع، وذلك أنهم زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر، وأن السحر عمل فيه، حتى قال فيه: "إنه يتخيل لي أني أقول الشيء وأفعله، ولم أقوله ولم أفعله"، وأن امرأة يهودية سحرته في جف طلعة ومشط ومشاقة، حتى أتاه جبريل ـ عليه السلام ـ فأخبره أنها سحرته في جف طلعة، وهو تحت راعوفة البئر، فاستخرج، وزال عن النبي صلى الله عليه وسلم العارض. وقد قال الله تعالى مكذباً للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال جل من قائل: (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَّسْحُورًا) (الفرقان:8)، ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين…" (31).

فيظهر مما قاله الآتي:

1 ـ أن السحر لا حقيقة له.

2 ـ اعتراضه على الأحاديث الواردة في سحر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها غير صحيحة؟.

وتحقيقُ المقام أن نقول: اختلف في أمر السحر: هل له حقيقة وتأثير في الواقع، أو ليس له حقيقة وتأثير؟ على قولين:

الأول: ذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى: أنه ثابت، وله حقيقة وتأثير، ومن أدلتهم على ما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير