فهذا هو المحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ليس فيه ذكر السورة، و كذا رواه شعبة و سفيان، عن سعد بن إبراهيم بدون ذكر السورة، فأما رواية شعبة فأخرجها البخاري و النسائي، و أما رواية سفيان فأخرجها البخاري و أبو داود و الترمذي، و قال: هذا حديث حسن صحيح.
قال البيهقي: ذكر السورة غير محفوظ. قلت: و يدل على ذلك ما ذكرته ههنا، و يدل عليه أيضاً ما رواه الشافعي في مسنده: أخبرنا ابن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة و يقول: إنما فعلت لتعلموا أنها سنة.
و قد رواه الحاكم في مستدركه من طريق: ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. و قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. و وافقه الذهبي في تلخيصه. قال الحاكم: و قد أجمعوا على أن قول الصحابي سنة حديث مسند.
و قال الشافعي أيضاً: أخبرنا بعض أصحابنا، عن ليث بن سعد، عن الزهري، عن أبي أمامة – و هو: ابن سهل بن حنيف – قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. و قد رواه النسائي في سننه، فقال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة، أنه قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثاً، و التسليم عن الآخرة. إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ثم قال النسائي: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن محمد بن سويد الدمشقي الفهري، عن الضحاك بن قيس الدمشقي، بنحو ذلك. و هذا إسناد جيد.
و قد رواه الشافعي في مسنده من طريق معمر، عن الزهري، حدثني محمد الفهري، عن الضحاك بن قيس، أنه قال مثل قول أبي أمامة.
و قد جاء في هذا الباب أحاديث مرفوعة، منها ما رواه الترمذي و ابن ماجه من حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. قال الترمذي: ليس إسناده بذاك القوي و الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب.
قال: و في الباب عن أم شريك. قلت: و هو ما رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن عنها رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب.
و قال الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كبر على الميت أربعاً، و قرأ بأم القرآن يمد التكبيرة الأولى.
إبراهيم بن محمد، هو: ابن أبي يحيى المدني وثقه الشافعي، و ضعفه غير واحد من الأئمة، و تركه بعضهم، و قال ابن عقدة: ليس بمنكر الحديث. و قال ابن عدي: هو كما قال ابن عقدة.
و قد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه مستشهداً به، و لم يتكلم فيه بشيء، و أقره الذهبي. فإن قيل إن الهيثم بن أيوب ثقة عند النسائي، و قد زاد ذكر السورة مع الفاتحة، و الزيادة من الثقة مقبولة. فالجواب: أن يقال إنها زيادة شاذة لمخالفتها لرواية شعبة و سفيان و الشافعي و كل منهم أوثق و أثبت و أجل من الهيثم بن أيوب، فالعمدة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما على روايتهم لا على ما خالفها، و الله أعلم
التنبيه الخامس
قال المؤلف في حاشية صفحة 99 ما نصه (و لست أشك أن وضع اليدين على الصدر في هذا القيام بدعة ضلالة لانه لم يرد مطلقاً في شيء من أحاديث صفة الصلاة) ا. هـ و القيام الذي أشار إليه هو القيام بعد الركوع.
و أقول: إن الجزم بالتبديع و التضليل فيما ذكر ههنا فيه نظر، لما رواه النسائي في أول كتاب الافتتاح من سننه الصغرى عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض يمينه على شماله. إسناده جيد.
و قد رواه الدارقطني في سننه من طريق النسائي، و لا أعلم لهذا الحديث معارضاً و لا مخصصاً، و ظاهره يفيد العموم لما قبل الركوع و ما بعده لان كلا منهما يسمى قياماً. و من خصص ذلك بما قبل الركوع فعليه الدليل. و ليس في باقي الروايات عن وائل رضي الله عنه و لا في الأحاديث عن غيره ما ينفي وضع اليدين على الصدر أو تحت السرة فيما بعد الركوع كما يفعل قبله، و الله أعلم.
¥