وبين أيدينا مؤلف من مؤلفاته النفيسة ألا وهو "حجة الوداع " وهذا الكتاب من أبرز ما كتبه رحمه الله ويدل على طول نفسه،وتبحره في العلوم،ولا شك إن هذا الكتاب يعبر عن مدى قوته في المناظرة و البرهان،ولهذا فقد أثنى العلماء على ما في الكتاب لنفاسته وعظمة قدره فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 62) عند الكلام على صفة حجة النبي e : وقد صنف أبو محمد ابن حزم في حجة الوداع مصنفاً جمع فيه الآثار و قرر ذلك.
وقال أيضاً (26/ 80) عند الكلام على أن الصواب في حجة النبي أنه كان قارنا:-
{وقد جمع أبو محمد ابن حزم في حجة الوداع كتاباً جيداً في هذا الباب}.
وقال عنه أبو الفداء ابن كثير في حجة الوداع (صـ8):-
(وقد صنف العلامة أبو محمد بن حزم الأندلسي رحمه الله مجلداً في حجة الوداع أجاد في أكثره، ووقع له أوهام سننبه عليها في مواضعها. وبالله المستعان.
وفي هذه الورقات أقدم لإخواني طلبة العلم ما وقفت عليه من تعقبات ابن قيم الجوزية،وابن كثير على هذا الكتاب،وسقت خلاصة الحج التي ذكرها ابن حزم في ديباجة كتابه وجعلتها على فصليين مراعاةً للتعقبات على حسب ما وقفت عليه من خلال مطالعتي لزاد المعاد وحجة الوداع لأبن كثير. والله الموفق و المعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
[الخلاصة التي ذكرها ابن حزم في مطلع كتابه حجة الوداع في أعمال الحجِّ]
قال رحمه الله:أعلمَ رسول الله e الناس أنّه حاج، ثم أمر بالخروج للحج فأصاب الناس [المدينة] جدري أو حصبة، منعت من شاء الله تعالى أن تمنع من الحج معه، فأعلم رسول الله e أن عمرة في رمضان تعدل حجة.
وخرج رسول الله e عامداً إلى مكة عام حجة الوداع التي لم يحج من المدينة منذ هاجر عليه السلام إليها غيرها، فأخذ على طريق الشجرة.
وذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر نهاراً، بعد أن ترجل وادهن، وبعد أن صلى الظهر بالمدينة. وصلى العصر من ذلك اليوم بذي الحليفة، وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة.
وطاف تلك الليلة على نسائه، ثم اغتسل، ثم صلى الصبح بها.
ثم طيبته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بيدها، بذريرة وطيب فيه مسك، ثم أحرم ولم يغسل الطيب.
ثم لبد رأسه وقلد بدنته بنعلين، وأشعرها في جانبها الأيمن، وسلت الدم عنها، وكانت هدي تطوع. وكان عليه السلام ساق الهدي مع نفسه، ثم ركب راحلته.
وأهلَّ حين انبعثت به، من عند المسجد، مسجد ذي الحليفة، بالقران [بالعمرة] والحج معاً. وذلك قبل الظهر بيسير.
وقال الناس بذي الحليفة: ((من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل)).
وكان معه عليه السلام من الناس جُموع لا يُحصيها إلاَّ خالقُهم ورازقُهم عزَّ وجلّ.
ثم لبَّى رسولُ الله e فقال: ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لَبَّيك، إنَّ الحمدَ و النعمة لك و الملكَ، لا شريك لك)) ز وقد روي أنه عليه السلام زاد على ذلك فقال: ((لبيك إله الحقِّ)). وأتاه جبريل e فأمر أن يأمُرَ أصحابَه بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية.
ووَلَدَتْ أسماءُ بنت عُميس الخثعمية (زوج أبي بكر الصديق y ) محمدَ ابن أبي بكر الصديق، فأمرها رسول الله e أن تغتسل، وتَسْتَثْفِرَ بثوبٍ وتحرم، وتهلَّ.
ثم نهض عليه السلام وصلى الظهر بالبيداء، ثم تمادى، و استهلَّ هلالَ ذي الحجة ليلةَ الخميس ليلة اليوم الثامن من يوم خروجه من المدينة.
فلما كان بسَرِفَ حاضت عائشة y ، وكانت قد أهلَّت بعمرة، فأمرها رسولُ الله e أن تغتسل، وتمتشط،وتترك العمرة، وتدعها و ترفضها. ولم تحلَّ منها، وتُدخل على العمرة حجاً،وتعمل جميع أعمال الحجِّ إلا طواف بالبيت ما لم تَطْهُرْ.
وقال عليه السلام وهو بسرف، للناس: (مَن لم يكن معَه هَدْيٌ، فأحبَّ أن يجعلها عمرةً، فليفعل، ومن كان معه هدي، فلا) فمنهم من جعلها عمرةً، كما أُبيح له. منهم من تمادى على إحرامه بالحج ولم يجعلها عمرة، وهذا،في مَن لا هدي معه. وأما من معه الهدي، فلم يُبَحْ له أن يُحِلَّ إحرامه لعمرةٍ فقط.
وأمر عليه السلام في بعض طريقه ذلك مًن معه الهديُ من أصحابه y ، بان يقرنوا الحجَّ مع العمرة.
¥