فأقام بمنى باقي يوم السبت، وليلة الأحد ويوم الأحد، وليلة الاثنين ويوم الاثنين وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء.وهذه هي أيام منىً،وهي أيامُ التشريقِ يرمي الجمرات الثلاث كلَّ يوم من هذه الأيام الثلاثة بعدَ الزوال،بسبع حَصَيات كلَّ يومٍ لكل جمرة. يبدأُ بالدنيا وهي التي تلي مسجد منىً،ويقف عندها للدعاء طويلا.
ثم التي تليها،وهي الوُسطى، ويقف عندَها للدعاء كذلك، ثم جمرةَ العَقَبة ولا يقف عندها ويكبِّرُ e مع كل حصاة.
وخطب الناس أيضاً يوم الأحد ثاني يوم النحر وهو يوم الرؤوس.
وقد رُوي أيضاً أنه e خطبَهم أيضاً يومَ الاثنين، وهو يوم الأكارعِ وأوصى بذوي الأرحام خيراً وأخبر e أنه لا تجني نفسٌ على أخرى.
واستأذنه العباسُ عمُّه في المبيت بمكة ليالي منى المذكورة من أجل سقايته فأَذِنَ له e وأذِنَ للرعاء أيضاً في مثل ذلك اليوم.
ثم نهض e بعدَ زوالِ الشمس من يوم الثلاثاء المؤرخ،وهو أخرُ أيام التشريق، وهو الثالثَ عشرَ من ذي الحجة،وهو يوم النَّفْر إلى المُحَصبِ،وهو الأبطحُ،فضربت له قبته ضربها أبو رافع مولاه وكان على ثَقَلِه e وقد كان e قال لأسامة أن ينزلَ غداً بالمحصَّب خَيْف بني كِنانة،وهو المكانُ الذي ضرَبَ فيه أبو رافع قُبَّتَه، وفاقاً من الله عزَّ وجل دونَ أنْ يأمره e بذلك.
وحاضَتْ صفيةُ أُمُّ المؤمنين ليلة النفر،بعد أن أفاضت فأُخبر بذلك رسول الله e فسألَ: أفاضَتْ يومَ النحرِ؟ فقيل: نعم.فأمرها أن تنفرَ،وحكمَ فيمن كانت حالُها كحالها أيضاً بذلك.
وصلى e بالمحصَّب الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ الآخرِةَ من ليلة الأربعاء الرابعَ عشرَ من ذي الحجَّة.وبات بها e ليلة الأربعاء المذكورة ورقدَ رقدةً.
ولما كان يوم النحر وهو يوم النَّفْر،رغبت إليه عائشةُ بعد أنْ طَهُرت أن يُعمِرَها عمرةً منفردة،فأخبرها e أنها قد حلت من عمرتها وحَجَّتِها وأنَّ طوافَها يكفيها ويُجزئها لحجِّها وعُمرتها،فأبت إلاَّ أن تعتمرَ عمرةً مفردةً،فقال لها e:( ألم تكوني طُفْتِ ليالَي قَدِمْنا)؟ قالت: لا. فأمرَ عبدَ الرحمن بنَ أبي بكر أخاها بأن يُردفَها ويُعمرها من التنعيم ففعلا ذلك وانتظرها e بأعلى مكةَ ثَّم انصرفَتْ من عُمرتها تلك. وقال لها: (هذا مكان عُمرتِك) وأمرَ الناسَ أن لا ينصرفوا حتى يكونَ أخرَ عهدهم؛ الطوافُ بالبيتِ ورخَّصَ في تركِ ذلك للحائض، التي قد طافَتْ طوافَ الإفاضة، قبلَ حيضها.
ثم إنه e دخَلَ مكةَ في الليل،من ليلةِ الأربعاء المذكورةِ فطاف بالبيت طواف الوداع لم يرمُلْ في شيء منه سحراً قبلَ صلاة الصبح،من يوم الأربعاء المذكور.
ثم خرجَ من،كداء أسفلَ مكة،من الثنية السُّفلى.والتقى بعائشةَ رضي الله عنها وهو ناهضٌ في الطواف المذكور وهي راجعةٌ من تلك العمرة التي ذكرنا.
ثم رجع e وأمرَ بالرحيلِ ومضى e من فوره ذلك راجعاً إلى المدينة.
فكانت مدةُ إقامته e بمكة مُذْ دخلَها إلى أنْ خَرَجَ إلى منىً،إلى عرفة،إلى مُزدلَفة،إلى منى،إلى المحصَّب إلى أن وجَّهَ راجعاً؛عشرة أيام. فَلَمَّا أتى ذا الحُلَيفْةِ بات بها ثم لمَّا رأى المدينة كبَّرَ ثلاث مرات وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ثم دخل e المدينة نهاراً من طريق المعرَّسِ.
والحمد لله رب العالمين كثيراً وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ عبده ورسوله وسلَّم.أهـ
ثم ساق الأدلة على أعمال الحج كما بين ذلك بقوله:
الفصل الثاني الأدلة على أعمال الحج هذا حين ينفذ إن شاء الله عز وجل في ذكر الأحاديث الشواهد لكل ما ذكرنا. حجة الوداع ج: 1 ص: 111 - 126
[التعقبات]
قال ابن قيم الجوزية فصل في الأوهام: 1 - فمنها: وهم لأبي محمد بن حزم في حجة الوداع،حيث قال: إن النبي e أعلم الناس وقت خروجه ((أن عمرة في رمضان تعدل حجة،وهذا وهم ظاهر،فإنه إنما قال: ذلك بعد رجوعه إلى المدينة من حجته،إذ قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان،فحج أبو ولدي وابني على ناضح وترك لنا ناضحاً ننضح عليه. قال: ((فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة في رمضان تقضي حجة)) هكذا رواه مسلم في صحيحه.
¥