وهذا هو الذي تستحبُّه العلماء قاطبةً، أن الساعي بين الصفاء و المروة – وتقدم في حديث جابر – يُستحب له أن يَرْمُل في بطن الوادي في كل طَوْفَهٍ في بطن المسيل الذي بينهما، وحدوا ذلك بين الأَمْيال الخُضْر، فواحدٌ مُفْرَد من ناحية الصَّفا مما يلي المسجد، واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجدَ أيضاً.
وقال بعض العلماء: ما بين هذه الأميال اليومَ أوسع من بطن المسيل الذي رَمل فيه رسول الله e . فالله أعلم.
وأما قول محمد ابن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع: ((ثم خرج عليه السلام إلى الصَّفا فقرأ: {إن الصفا و المروة من شَعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فطاف بين الصفا والمروة أيضاً سبعاً راكباً على بعير يَخُبُّ ثلاثاً و يمشي أربعاً)) فإنه لم يُتَابَعْ على هذا القول ولم يتفوَّه به أحد قَبْله، من أنه عليه السلام خَبَّ ثلاثة أشواط على الصفا والمروة ومشى أربعاً.
ثم هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلاً بالكلّية، بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نجد عَدد الرَّمل بين الصفاء و المروة منصوصاً، ولكنه متفق عليه. هذا لفظه.
فإن أراد بان الرَمل في الثلاث الطوفات الأول، على ما ذكر، متفق عليه، فليس بصحيح، بل لم يقله أحد.
وإن أراد أن الرمل في الثلاث الأُول في الجملة متفق عليه، فلا يُجْدِي له شيئاً ولا يحصِّل له مقصوداً، فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الأول في بعضها، على ما ذكرناه، كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الأُخر أيضاً.
فتخصيص ابن حزم الثلاثَ الأول باستحباب الرَّمل فيها مخالفٌ لما ذكره العلماء. والله اعلم. انظر حجة الوداع (صـ101) 7 - ومن أوهامه رحمه الله ما قاله ابن القيم: إن معاوية لعله قصر عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الحلاَّق يوم النحر، فأخذه معاوية على المروة، ذكره أبو محمد ابن حزم، وهذا أيضاً من وهمه، فإن الحلاَّق لا يُبقي غلطاً شعراً يقصر منه، ثم يبقي منه بعد التقصير بقية يوم النحر، وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة، فأصاب أبا طلحة أحد الشِّقين، وبقية الصحابة اقتسموا الشِّق الآخر، الشعرة و الشعرتين وأيضاً فإنه لم يسعَ بين الصَّفا و المروةِ إلا سعياً واحداً وهو سعيه الأول، لم يسعَ عقب طوافِ الإفاضة، ولا اعتمر بعد الحجِّ قطعاً فهذا وهم مَحْضٌ.
وقد قيل: هذا الإسناد إلى معاوية وقع فيه غلط وخطأ، أخطأ فيه الحسن بن علي، فجعله عن معمر، عن ابن طاووس. وإنما هو عن هشام بن حُجير، عن ابن طاووس وهشام: ضعيف.
قلت: والحديث الذي في البخاري عن معاوية، قصَّرْتُ عن رأس رسول الله e بمشقصٍ ولم يَزدْ على هذا،والذي عند مسلم: قصَّرتُ عن رأسِ رسول الله e بِمِشْقَصٍ على المروة. وليس في (الصحيحين) غير ذلك. أهـ
وهذا نص كلام ابن حزم: (فإن قيل إن ابن عمر ذكر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بحجة قيل له نعم قد روينا ذلك وذكرناه وهذا لا حجة فيه لأنه لم يقل رضي الله عنه إنه سمعه يقول في ذي الحليفة ولعله سمعه عليه السلام يقول العمرة ذلك إذ أتم عمرته ونهض إلى منى،وقد يمكن أن يكون سمع ذكر الحج ولم يسمع ذكر العمرة ومن زاد ذكر العمرة أولى لأنه زاد علما اللهم إلا أن الحديث الذي أوردنا من طريق معاوية إذ قال قصرت عن رسول الله e على المروة بمشقص أعرابي هو حديث مشكل،وهو حديث يتعلق به من يقول إن رسول الله e كان متمتعا لأن الصحيح الذي لا شك فيه والذي نقلته الكواف أنه e لم يقصر من شعره شيئا ولا أحل من شيء من إحرامه إلا حتى حلق بمنى يوم النحر وأعطى شعره أبا طلحة على ما ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا.
ولعل معاوية عنى بقوله بحجته عمرته عليه السلام من الجعرانة لأن معاوية قد كان أسلم بعد حينئذ وهذا الظن لا يسوغ في رواية قيس بن سعد عن عطاء التي قد ذكرنا ضعيف منقطع فيه بيانا أنه كان في ذي الحجة أو لعله قصر عنه عليه السلام بقية شعر لم يكن استوفاه الحلاق بعد فقصره معاوية على المروة يوم النحر.
وقد قيل إن الحسن بن علي أخطأ في هذا الحديث فجعله عن معمر عن ابن طاووس وإنما المحفوظ فيه أنه عن هشام بن حجير عن طاووس وهشام ضعيف فالله أعلم
¥