تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هم أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه.

والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: [إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، وفي شهركم هذا] (البخاري:76) وقال صلى الله عليه وسلم: [كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه] (مسلم:2564) وقال صلى الله عليه وسلم: [من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله] (البخاري:391) وقال صلى الله عليه وسلم: [إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد أن يقتل صاحبه] (البخاري:31) وقال صلى الله عليه وسلم: [لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض] (البخاري:121) وقال صلى الله عليه وسلم: [إذا قال المسلم لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما] (البخاري:6103) وهذه الأحاديث كلها في الصحاح.

وإذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يُكَفَّرْ بذلك كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: [أنه قد شهد بدراً، وما يُدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟] وهذا في الصحيحين. وفيهما أيضاً من حديث الإفك: أن أسيد بن الحضير رضي الله عنه قال لسعد بن عبادة رضي الله عنه: إنك منافق، تجادل عن المنافقين، واختصم الفريقان، فأصلح النبي بينهم، فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق، ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا بل شهد للجميع بالجنة.

وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قتل رجلاً بعد ما قال: لا إله إلا الله، وعَظَّمَ صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره، وقال: [يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ وكرر ذلك عليه، حتى قال أسامة: تمنيت إني لم أكن أسلمت إلا يومئذ]. ومع هذا لم يوجب عليه قوداً، ولا دية، ولا كفارة فإنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القاتل لظنه أنه قالها تعوذاً.

فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضاً من أهل الجمل وصفين، ونحوهم، وكلهم مسلمون كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبَغْيِ بعضهم على بعض أخوة مؤمنون، وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل.

ولهذا كان السلف مع القتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين، ولا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون، ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه [أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يُعْطَ ذلك] وأخبر أن الله تعالى لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً، وبعضهم يسبي بعضاً.

وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} قال [أعوذ بوجهك] {ومن تحت أرجلكم} قال [أعوذ بوجهك] {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} قال [هاتان أهون].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير