هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف، وقال: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} (الأنعام:159) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة]، وقال: [الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد] (رواه الترمذي. انظر صحيح الترمذي (1758 - 1760)) وقال: [الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم] (رواه الإمام أحمد، وذكره شيخنا الألباني في ضعيف الجامع (1477)، وأخرج أبو داود، والنسائي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية. انظر صحيح الجامع (5701)).
48 - خلاصة رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصلاة خلف المبتدع.
فالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين، ولا يعاديهم، وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاوياً وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك، وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه، وإن قدر أن يمنع من أظهر البدع والفجور منعه.
وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه والأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: [يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا سواء فأقدمهم هجره، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً] (رواه الإمام مسلم 673،674).
وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خُلِّفُوا حتى تاب الله عليهم، وأما إذا وُلِّى غيره بغير إذنه، وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة، والجماعة. جهلاً وضلالاً، وكان قد رَدَّ بدعة ببدعة.
وأما الذي صلى الجمعة خلف الفاجر فقد اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم، حتى قال أحمد بن حنبل رحمه الله في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين، لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع، ولم يأمر الله تعالى أحداً إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. وبهذا كان أصح قولي العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد، حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله، والمحبوس وذووا الأعذار النادرة، والمعتادة، والمتصلة والمنقطعة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.
وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، بل وأبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلاً بوجوبها لم يأمره بالقضاء، فعمر وعمار لما أجنبا، وعمر لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء، والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء.
والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء، وكانوا قد غلطوا في معنى الآية، فظنوا أن قوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (البقرة:187) هو الحبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إنما هو سواد الليل وبياض النهار] (البخاري 1916) ولم يأمرهم بالقضاء، والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات، أو الذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهم بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة)، وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا، وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.
وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله، هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ؟ على ثلاثة أقوال. في مذهب أحمد وغيره: قيل يثبت، وقيل لا يثبت، وقيل لا يثبت المبتدأ دون الناسخ، والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حنى نبعث رسولاً} (الإسراء:15) وقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء:165) وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين] (رواه البخاري 7461).
فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند، والفاجر، بل جعل الله لكل شيء قدراً. أ. هـ (الفتاوى 3/ 282،288).
)
(
ـ[ابن وهب]ــــــــ[18 - 02 - 03, 10:29 م]ـ
الشيخ الفاضل
(أبو عبدالله النجدي وفقه الله
احسنت بارك الله فيك
الامر كما ذكرت
(قال شيخ الإسلام - رحمه الله -[وأما الصلاة خلف من يكفر ببدعته من أهل الأهواء فهناك قد تنازعوا في نفس صلاة الجمعة خلفه ومن قال انه يكفر أمر بالإعادة لأنها صلاة خلف كافر لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء والناس مضطربون في هذه المسألة وقد حكى عن مالك فيها روايتان وعن الشافعى فيها قولان وعن الإمام أحمد أيضا فيها روايتان وكذلك أهل الكلام فذكروا للأشعرى فيها قولان وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها - ثم ذكر كلاماً طويلاً إلى أن قال - ولكن المقصود هنا أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين] 23/ 345 - 348 من مجموع الفتاوى)
منقول
¥