(فَإِنَّ حِفْظَ الحديثِ النبويِّ يُرَقِّي إلى أَرْفَعِ مقامٍ، والاعتناءَ بمعانِيهِ يُوجِبُ الفوزَ بالسلامةِ في دارِ السلامِ.
وكانَ كتابُ العمدةِ للحافظِ تَقِيِّ الدينِ أبي محمدٍ عبدِ الغَنِيِّ بنِ عبدِ الواحدِ بنِ عليِّ بنِ سُرُورٍ المَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، قد طارَ في الخَافِقَيْنِ ذِكْرُهُ، وضَاعَ بينَ الأَئِمَّةِ نَشْرُهُ، واعْتَنَى الناسُ بِحِفْظِهِ وتَفَهُّمِهِ، وَأَكَبُّوا على تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ، لاَ جَرَمَ اعْتَنَى الأَئِمَّةُ بِشَرْحِهِ، وانتُدِبُوا لإِبْرَازِ مَعَانِيهِ مِن سِهَامِ قِدْحِهِ، كانَ مِن المُهِمِّ في ذلكَ بيانُ نَوْعَيْنِ مُهِمَّيْنِ:
أحدُهُما: اعتبارُ ما فيهِ، فإنَّ مُصَنِّفَهُ رَحِمَهُ اللهُ قد الْتَزَمَ أنَّ جميعَ ما فيهِ مِن المُتَّفَقِ عليهِ، وقد وُجِدَ فيهِ خلافُ هذا الشرطِ، والتصريحُ يَحُلُّ هذا الرَّبْطَ، فَلاَ بُدَّ مِن الوقوفِ على تمييزِ ذلكَ.
الثاني: تَحْرِيرُ ألفاظٍ يَقَعُ فيها التصحيفُ، ويُؤَدِّي بها ذلكَ إلى التحريفِ، ولا يَجِدُ الإنسانُ سَبِيلاً إلى عِرْفَانِهَا لوْ كَشَفَ عليها، ولا في كلامِ أحدٍ من الشُّرَّاحِ الإشارةُ إليهِا، والاعتناءُ بهذا القَدْرِ أَهَمُّ مِن الأوَّلِ؛ لأنَّهُ تحريرٌ في الأحاديثِ واحتياطٌ للسُّنَّةِ الغَرَّاءِ.
فاسْتَخَرْتُ اللهَ تعالى في إفرادِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ بخصوصِهِما، وذَكَرْتُ منهما ما تَيَسَّرَ الوقوفُ عليهِ بعدَ التنقيبِ والتهذيبِ.
واللهُ سبحانَهُ المسؤُولُ في الإعانةِ، إنَّهُ قريبٌ مُجِيبٌ لا مَرْجُوَّ سِوَاه).
هذا وقد حقق النوع الأول من هذا الكتاب الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني ونشر في مجلة الجامعة الإسلامية سنة (1407هـ) العدد (75) ص (47 - 118). وعمله جيد إلا أنه وقعت له بعض الأخطاء القليلة في قراءة النص.
ثم طبع الكتاب كاملا بتحقيق الأخ الفاضل الخلوق نظر الفريابي حفظه الله ونشرته مكتبة الرشد.
ولي على عمل الأخ نظر بعض المؤخذات فمنها بل من أهمها أنه تصرف في ترتيب الكتاب ومعلوم أن المحقق مطالب بإخراج الكتاب كما كتبه مصنفه وأنه لا يحق له مهما كانت الظروف أن يغير في ترتيب الكتاب ولو كان يرى أن ذلك التغيير نافعاً للقاريء، فمن تلك التصرفات:
أولاً: أنه أدرج متن العمدة كاملا مع أن المتن لا وجود له في أصل النكت.
ثانياً: أنه قام بتجميع مادة الكتاب مما يتعلق بالنوع الأول (التعقبات الحديثية) والنوع الثاني (بيان الغريب) ثم أورد تحت كل حديث ما يتعلق به من تعقب حديثي وبيان غريب، وعلل ذلك التصرف بقوله (ص 6): [لأن الكتاب بالترتيب الذي ألفه الإمام الزركشي رحمه الله يصعب على القاريء معرفة ما تعرض من نقد أو تعليق على الأحاديث إلا إذا قرأ جميع مادة الكتاب] ولا شك أن هذا تصرف غير مرضي.
فلعل الأخ الفاضل الكريم أن ينظر في عمله مرة أخرى ويعاود إخراج الكتاب كما وضعه مصنفه من غير زيادة أو نقصان.
هذا ما أردت بيانه ودمتم بخير وعافية.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[15 - 04 - 03, 02:56 م]ـ
الأخوين الفاضلين ... ظافر آل سعد , وسليل الأكابر ... جزاكما الله خيراً وبارك في تعقيبكما النافع.
ولي سؤال لو تكرمتما - بما أنَّ الكتاب عندكما -: هل ذكر الزركشي الوهم الذي بينته ضمن نكته، أم يُلحق به استدراكاً؟
ولكم جزيل الشكر والمثوبة.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 12:55 م]ـ
تذكيراً للأخوة الأفاضل بالسؤال.
ـ[سليل الأكابر]ــــــــ[16 - 04 - 03, 03:41 م]ـ
الأخ الفاضل أبو عمر السمرقندي سلمه الله
عذراً أخي على التأخر في الرد وليك ما طلبت.
قال الزركشي في نكته:
[حديثُ أبي هريرةَ قالَ: ((لما فَتَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مكَّةَ قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رجلاً من بَنِي ... إلى آخِرِه)).
هذا الحديثُ بهذا السِّياقِ من أَفْرادِ مسلِمٍ، ورَوَى البخاريُّ نحوَه من حديثِ مجاهِدٍ مرسَلاً، ثم أَسنَدَ الحديثَ إلى ابنِ عبَّاسٍ قالَ: بِمِثلِ هذا أو نحوِ هذا، ثم قالَ: رواه أبو هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَه عبدُ الحقِّ في "جَمْعِه بينَ الصحيحين"].
هذا غاية ما ذكره على هذا الحديث ولم يتعرض لتلك اللفظة.
والأمر يحتاج مزيد بحث وتحرٍ قبل الاستدراك والتعقب لا سيما وأن هذه اللفظة لم يتعرض لنقدها ولا الكلام عليها أحد ممن تصدى لشرح العمدة ولا ممن تصدى لتتبع مصنفها كالحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح.
ودمتم بخير وعافية.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 09:05 م]ـ
أخي الفاضل: سليل الأكابر ... وفقه الله
أحسنت مشكوراً على الإفاداة، ثم النصيحة بالتروي ومزيد البحث.
فلك مني جزيل الشكر وأوفاه.
@ ولكن تعقبي السابق - فيما أحسب - أخي الكريم ليس كشفاً عن علة خفية باطنة لا تظهر إلاَّ للنقَّاد والصيارفة، ولا هو ترجيح لأمر يحتمل وجهين.
@ إنما غاية ما في الأمر أني نظرت إلى لفظ الصحيحين (المطبوعين) وما وقع من مخالفة في عمدة الأحكام للفظيهما ((الظاهر)) فتعقبت بأنَّ هذا اللفظ ليس من هذين الكتابين , وحسبُ.
@ أما القضية التي تحتاج فعلاً إلى التروي ومزيد البحث؛ وهي أيُّ اللفظتين أصوب أو الجمع بينهما إن كانتا صوابين ولا تعارض = فهذه ما لم أتطرَّق إليها بل بينت أني معرضٌ عنها.
@ وكون أهل العلم كالحافظ ابن حجر والزركشي وغيرهما لم يتعقبوا الحافظ عبدالغني فيما تعقبت به ليس لأنهما قد وقفا على ما وقفت ولم يرياه غلطاً، فكم ترك الأول للآخر.
ثم إنهما وغيرهما لم يشترطا لاستيعاب في التعقب.
@ وإنما تبرز فائدة تعقبي - أخي الكريم - إن كان فيها ثم فائدة في التنبيه للمشتغل بالعمدة؛ لئلاَّ يظن ماليس من لفظ الشيخين أنه كذلك.
وبالله التوفيق.
ومرة أخرى ... لك - أخي الفاضل - جزيل الشكر وأوفر الأجر.
¥