وأما نتيجة المناظرة فلا شك ان المقريء قد خصم القرافي فلم يملك هو وطلابه الا التسليم بقول المقريء ولا غرو فما ذكره وجيه ومتين
الا ان سنة الله عزوجل قد جرت على خلقه: في أن العلم لا ينتهي , وأن الأفهام لا تستوي , وان الحق والصواب انما هو مع من كان للدليل أقرب وبالفقه الصحيح أسعد
واني ارى (حتى الآن) ان ما عجز عنه العلامة القرافي - رحمه الله - قد قام به العلامة برهان - حفظه الله - فوالله لقد احسن التحقيق والتأصيل واجاد التدقيق والتفصيل وأصاب الصواب بحسن الجواب
فلا غرو بعد ذلك أن نرى العلامة المقريء - حفظه الله - مخصوما -حتى الساعة - يستعد لاستجماع ذهنه و ادلته للرد على براهين العلامة برهان
فسددهما الله واعانهما
واما انا فلا يسعني الا أن أنظر الى حوار الفقهاء لعلي اظفر بفائدة كعادة الطلاب , ولكن لتسمح لي أخي المقريء بأن أشارك بنزر يسير على استحياء ووجل فأقول:
القول بجواز تصوير الفيديو اوالتلفاز: أشبه - خلافا للمانعين مطلقا -
وذلك انه لو لم يكن في القول بتجويزه الا مصلحة الاسلام لكفى فلا يخفى اثره في الدعوة
لا سيما بأنه أخف من التصوير الفوتغرافي في نظري من جهة انه اقرب الى المرآة من حيث انه مجرد ظل ليس له رسم ظاهر فهو أخف حتى من الرقم الجائز , ثم هو ايضا لا يتصور معه التعظيم المفضي الى المحظور كما هو الحال مع الصور في مثل ما ذكره الاخ الفاضل ابو محمد , ولذلك فانك تجد في نفسك - ضرورة - تعظيما للصور المعلقة , أو على الاقل الشعور بذلك , وما كان هذه شأنه فلا شك انه ذريعة عظيمة للوقوع في المحذور , وبما أنه قد وقع المحذور فعلا كما ذكر ابو محمد في الهند وغيرها فهذا كاف في صحة هذه العلة الموجبة لتحريمه ولا عبرة في استبعاد وقوعه في مجتمع المسلمين ما دام أنه قد وقع اذ العبرة بمجرد الوقوع
واما قول الشيخ ابا خالد السلمي حفظه الله بأن صور الفيديو هو مجموعة من الاف الصور الثابتة فلا اراه وجيها , اذ العبرة بما آلت اليه هذه الصور والتي تحدث فرقا ضروريا لدى الناظر اليهما بأن هذه متحركة وتلك ثابتة مما يوجب وصفين متغايرين وبالتالي تباين احكامهما
ثم ان الثابتة لها وجود ظاهر ملموس وأعني به وجودها على اوراق الصور بخلاف صور الفيديو التي هي أشبه بالخيال مما يجعله أشبه بالمرآة التي تختفي صورة الناظر اليها بذهابه عنها وكذلك صور الفيديو فان صورته تختفي بمجرد اطفاء الجهاز
واما المضاهاة فالقول فيها كالقول في المرآة او ترد بالمصلحة
واذا قلنا بجواز التلفاز للمصلحة - وهي تقديرية في نظري لا يصح اثباتها مطلقا ولا نفيها مطلقا - فلا يمنع ذلك من دخول الملائكة ان شاءلله كما لم يمنع الرقم دخولهم - عليهم السلام - اذ ما كان جائزا فان الشارع لا يعاقب عليه
وعلى كل حال فتبفى مسألة التصوير بالفيديو دائرة بين التحريم والجواز تبعا للمصالح والمفاسد التي عليها مدار الاحكام
وأما الصور الفوتغرافية فلا فائدة فيها , ولا مصلحة منها , وهي ذريعة عظيمة الى التعظيم المفضي الى المحذور , ومثل هذا يمنع من دخول الملائكة لا سيما وقد سميت بالصورة ولا خير فيها على الاطلاق ويستثنى من ذلك ما يتعلق بالاطفال فالامر فيهم اخف كما ذكر الشيخ الفوزان
وهنا مسائل تتفرع على هذه المسألة وهي:
1 - مسألة الصور الموجودة في الهاتف الجوال سواء الثابت منها والمتحرك: هل تصح الصلاة بها ام لا؟ وهل يصح الدخول بها الى المسجد ام لا؟
2 - المصحف الموجود في الهاتف الجوال او شريط الكاسيت هل يجوز الدخول به الى الخلاء؟
3 - لو صلى احدهم بشريط فيديو فهل تصح صلاته؟
4 - هل يجوز الدخول بالصور الفوتغرافية او الجرائد المشتملة على الصور الى المسجد وهل تصح الصلاة بها أم لا؟
* معلوم قول شيخ الاسلام: والقران كيف ما كان فهو كلام الله مكتوبا او مقروءا او مسموعا
والجواب عن هذه المسائل قد اشتهر العلم به فيما أظن
ويظهر فيها الفرق جليا بين الصور الفوتغرافية وتصوير الفيديو , فما يقال في شريط الكاسيت يقال فيه
وبناء على ما مضى من الاسئلة والجواب عليها , فيمكننا وضع حد للصورة المحرمة بأنها كل ما كان ثابت الظهور حقيقة وفيه مضاهاة لخلق الله على سبيل التعظيم او كان مظنة له ولم يكن فيه مصلحة
فخرج بقولنا ثابت الظهور تصوير الفيديو و الصور الثابتة او المتحركة الموجودة في الجوال لانه يمكن اخفائها حقيقة وعليه فتصح الصلاة به ولو كانت فيه وكذا الدخول به الى المسجد كمن حمل نجاسة في قارورة وقياس ذلك على حمل الصبي في الصلاة
وخرج بقولنا ولم يكن فيه مصلحة تصوير الفيديو لاطباق العقلاء على عظيم مصلحته في الدعوة
والمقصود بقولنا حقيقة: ما ادرك كنهه في العيان كاوراق الصور فهي ظاهرة تدركها الحواس بخلاف ما وجد في ذاكرة الجوال او شريط الكاسيت والفيديو فهو غير مدرك كمالو كان سحرا او ضربا من الخيال فأشبهت بذلك صورة المرآة في عدم وجودها على ارض الواقع
واما بقية قيود التعريف فظاهرة لا تخفى
وأستبيحكم على ما خطته يميني ان كان خطأ وأستغفر الله العظيم منه
ولو لم يكن المقام مقام مدارسة وشحذ للفقه بين اخوة متصافين لما تجرأت على كتابة حرف واحد والله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
¥