فيا أيها المسلم! أكرر مؤكداً، وبالحق مذكراً: إن الاسم عنوان المسمى فإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، فإن المولود يعرف من اسمه في معتقده ووجهته، بل اعتقاد من اختار له هذا الاسم ومدى بصيرته وتصوره.
فاسم المولود وعاء له، وعنوان عليه، فهو مرتبط به، ومن خلال دلالته يقوم المولود ووالده وحال أمته، وما هنالك من مثل وأخلاق وقيم، فهو يدل على المولود لشدة المناسبة بين الاسم والمسمى، وهذا أمر قدره العزيز العليم، وألهمه نفوس العباد، وجعله في قلوبهم.
وقل أن يوجد لقب مثلاً إلا وهو يتناسب أو يقارب مع الملقب به.
ومن المشهور في كلام الناس: الألقاب تنزل من السماء، فلا تكاد تجد الاسم الغليظ الشنيع إلا على مسمى يناسبه وعكسه بعكسه.
ومن المنتشر قولهم: " لكل مسمى من اسمه نصيب " .. وقيل:
وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب.*.*.*.*.*. إلا ومعناه في اسم منه أو لقب
والأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها، ولهذا، فمن أصول لسان العرب: أن المعنى يؤخذ من المبنى ويدل عليه.
ولهذا نرى - كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى -:
أكثر السفلة أسماؤهم تناسبهم، وأكثر الشرفاء والعلية أسماؤهم تناسبهم.
ولهذا كان بعض الناس إذا رأى شخصاً، تخيل اسمه، فكان كما تصور، فلا يكاد يخطئ.
فحقاً إن للأسماء تأثيرات في المسميات، في الحسن، والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة.
فأحسن أيها المسلم - بارك الله فيما رزقك - إلى مولودك وإلى نفسك وإلى أمتك باختيار الاسم الحسن في لفظه ومعناه.
وإن حسن الاختيار يدل على أكثر من معنى، فهو يدل على مدى ارتباط الأب المسلم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومدى سلامة تفكيره من أي مؤثر يصرفه عن طريق الرشد والاستقامة والإحسان إلى المولود بالاسم الحسن.
وبالجملة، فهو الرمز الذي يعبر عن هوية من اختار الاسم والمعيار الدقيق لثقافته.
ومن الدارج في كلام الناس: " من اسمك أعرف أباك ".
والاسم يربط المولود بهدي الشريعة وآدابها، ويكون الوليد مباركاً فيذكر اسمه بالمسمى عليه من نبي أو عبد صالح، ليحصل على فضل الدعاء والاقتداء بهدي السلف الصالح، فتحفظ أسماؤهم، ويذكر بأوصافهم وأحوالهم، وتستمر سلسلة الإصلاح في عقب الأمة ونسلها.
وفيه إشباع نفس المولود بالعزة والكرامة، فإنه حين يشب عن طوقه، ويميز بين خمسة وستة، ويكون في سن التساؤلات (السابعة من عمره)، يبدو هذا السؤال: على ما سميتني يا أبتاه؟ ولماذا اخترت هذا الاسم؟ وما معناه؟ حينئذ يقع الأب في غمرة السرور إن كان أحسن الاختيار، أو يقع في ورطة أمام ابنه القاصر عن سن البلوغ، فتنكشف ضحالة الأب، وسخف عقله، فكان الأب من أول مراحل تربيته لابنه يلبسه لباساً أجنبياً عنه، ويضعه في وعاء لا يلائمه، وهذا انحراف عن سبيل الهدى والرشاد، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه?? .. " حديث.
وبالجملة، فالاسم هو الوعاء الذي يستقر في مشموله المولود، فإذا استكملت اسمه الثلاثي مثلاً، حصل لك التصور الأولى عنه، وتسابقت إلى ذهنك دلالات هذه الأسماء لتكييف هذا الإنسان وتقويمه.
وإذا كانت هذه من آثار الاسم على الولد ووالده، فانظر من وراء هذا ماذا يلحق الأمة من تكثيف هذه الأسماء المحرمة، وبخاصة الغربية منها:
فللاسم تأثير على الأمة في سلوكها وأخلاقياتها على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها .. ".
ويعطي رؤية واضحة لمدى تأثير التموجات الفكرية والعقدية على الأمة وانحسارها عن أخلاقياتها وآدابها.
وماذا من استيلاء العجمة عليها وماذا استيلاء العجمة عليها ومداخلة الثقافات الوافدة لها؟
وماذا من انقطاع حبل الاتصال في عمود النسب عند نكث اليد من الصبغة الإسلامية: الأسماء الشرعية؟
ثم هو – بعد - من علائم الأمة المغلوبة بعقدة النقص والاستيلاء عليها، إذ النفس مولعة أبدا بالاقتداء بالمتغلب عليها، كالعبد المملوك مع سيده.
ثم هو أيضاً يدل على أن الأمة ملقى حبلها على غاربها، وأن ليس فيها رجال يطفئون جذوة ما تعاظم في صدورهم من شأن ذلك الغالب الفاجر.
وبناء على ما تقدم، صار حسن الاختيار لاسم المولود من الواجبات الشرعية.
ويأتيك بيانه في الأصلين الخامس والسادس.
¥