تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأرباب هذا المسلك لا مناص لهم عن أن ينصبوا راية الخلاف بين النصوص، ويضربوا بعضها ببعض، ويسلطوا الجهلة على سلوك هذا السبيل الوبي المهلك،ويبقوا في أعظم حيرة،ويستعملوا أنواعاً وألواناً من طرق الدرء في نحور النصوص،وأن تكون لهم الخيرة من أمرهم، وليهم النظر فيما يلم بهم من حادثة،وأن يفزع كل إلى ما يشتهي عند الكارثة.

ونظير ذلك ما قرره في هذه المقدمة من (أن الشريعة بنيت على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها) فإنه حق، وأصل أصيل،والشأن كل الشأن في التطبيق، وصدق ذلك عند التحقيق، فليس كل من استدل بها على رأي رآه يكون مصيباً، فلا دليل فيه على ما ذهب إليه، ولا مستأنس له فيه، فإن كثيراً من المنحرفين عن الصواب لا يزالون يعولون في زعمهم في الانحراف على هذا الشأن، وهم ليسوا من فرسان هذا الميدان، وقد أخطأ هذا الرجل في تفريعه على هذه القاعدة بما يعرفه أهل العلم ـ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وهكذا تقريره علة شرعية الحج، وأنه إقامة ذكر الله. فإن هذا صحيح ومعلوم بالنصوص، لكن أخطأ هذا الرجل في هذا المقام، وذلك أنه جعل ذكر الله المعني ها هنا هو الذكر القولي فقط دون الفعلي،ولم يعرج على ذكر الله الفعلي في أول بحثه أصلاً، بل لم يكتف بذلك،حتى صرح بما يقتضي خروج الذكر الفعلي عن ذلك.

ولم يدر المسكين أن الاذكار الفعلية أعظم شأناً وأهم من الأذكار القولية، ولهذا كانت أركان الحج وواجباته كلها فعلية ولم يكن منها واحد قولياً،ورمي الجمار من الأذكار التي هي من واجبات الحج.وأما الأذكار القولية التي يؤتي بها حال رمي الجمار وبعده فليس منها ذكر واجب إجماعاً، أفلا يستحي رجل هذه بضاعته في أحكام الحج من أن يتكلم فيه، فضلاً عن أن يكتب، فضلاً عن أن ينشر، فضلاً عن المبالغة العظيمة في النشر والتعميم؟!!

ويظهر ـ والله أعلم ـ أنه مع جهله حاول الاستهانة بشأن رمي الجمار،وهذا هو الذي حمله ـ والله أعلم ـ على سلوك هذا المسلك، وعلى ذكر ما نسبه عن الحافظ ابن جرير رحمه الله فيما حكاه عن عائشة من أنه إذا ترك الرمي وكبر أجزأه.وأبلغ من ذلك ما حكاه قبل ذلك عن بعض أهل العلم أنه قال: إنما أمر الله بالذكر في أيام التشريق ولم يأمر برمي الجمار لأن الذكر هو روح الدين، وهو الأمر المهم منه، وقد شرع الرمي لأجله، وأنه إنما شرع حفظاً للتكبير. انتهى.

ولهذا قال هذا الرجل بعد أن ذكر أنه حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة من حادي عشر ذي الحجة إلى آخره، ما نصه: وذكر الله في هذه الأيام هو التكبير في أدبار الصلاة، والدعاء عند رمي الجمار. فأتى هذا الرجل من الفرية على الله ورسوله مالا يخفى على أهل العلم، وذلك أنه حصر أمر الله تعالى بذكره في الأيام المعدودات في الذكر القولي، المفيد أن الله لم يأمر بالرمي في هذه الأيام. وباليت شعري من إمام هذا الرجل في ذلك،وجعل هذا الرجل عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو امتثال أوامر ربه والتشريع لأمته وتفسيره لهذه الآية الكريمة ما زعمه من أنه الأذكار القولية فقط،مستشهداً عليه بما رواه البخاري في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما:" أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يُكبِرُ على إثرِ كل خصاة ثم يتقدم ثم يسهل " إلى آخل الحديث،وبحديث أبي داود، وفيه " أن ابن عمر كان يدعو هنا بالدعاء الذي كان يدعو به في عرفة " والحديثان لا يدلان على أن رمي الجمار لا يدخل في مسمى الذكر بحال.

ولعمري إن أعلم الخلق بمعان القرآن الكريم وبأحكام الحج هو من أُنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم: قد فسر هذه الآية الكريمة بما فعله وأمر به من واجب كرمي الجمرات،ومايتبع ذلك من الأذكار القولية المندوبات، وفسرها بذلك علماء الإسلام متبعين بذلك تفسير سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم برميه الجمار تلك الأيام،وأمره أمته بذلك. وقد غر هذا الرجل في اقتصاره على الذكر القولي اقتصار كثير من المفسرين عليه في تفسير هذه الآية، فظن عدم دخول رمي الجمار في ذلك، وهم إنما تركوه لوضوحه.

قوله: فهذا المنسك الذي شرع للذكر والدعاء والتكبير قد انقلب إلى لغو وصخب وتزاحم وتلاكم وفساد كبير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير