تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: ليس الأمر كما زعمه، ولا الشأن ما توهمه، بل ذلك المنسك الشرعي هو هو لم ينقلب هذا الانقلاب، وإنما انقلب تصور هذا الرجل، وغاية ما هنالك أنه يوجد من بعض جهلة الأعراب.

ونحوهم شيء من ذلك،وبعضه غير مقصود، وما كان منه على وجه لا يؤذي به المزاحم أحداً من الحجاج لأجل الوصول إلى أداء ما أوجب الله عليه من هذا النسك على وجهه الشرعي فهذا غير مذموم، لا في رمي الجمرات، ولا في المواضع الأخر مما يتصور فيه الزحام كالطواف والسعي، بل هو من المأمور به شرعاً، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

قوله: وصار الناس لا يذهبون إليه ألا وهم متذمرون للمحاربة وقصد المغالبة، يمد بعضهم بعضاً، ويؤيد بعضهم بعضاً.

يقال: هذا من المجازفة الظاهرة. ولو قال: وصار بعض الناس لكان أقرب إلى الصدق.

قوله: وصار من الصعب الوصول إليها وتحقق وقوع الجمار فيها. وإن أراد الصعوبة التي تحتمل ـ فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة التي تحتمل ـ فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة،وما في صيام رمضان في شدة الصيف من الجوع والعطش الذي جنسه يحتمل ولا يرخص بسبب حصوله في الإفطار والمصير إلى القضاء،وفي مزاولة هذه الصعوبة والصبر على ما يناله من المكاره من الأجر مالا يعلمه إلا الله. وفي ضمن هذا الكلام من التمهيد لما سيصرح به بعد من سقوط وجوب الرمي مطلقاً من أجل الزحام مالا يخفى.

قوله: وكان لهذا الأمر الذي حقق الخطر، ووسع دائرة الضرر، عوامل عديدة ساعدة عليه: منها فتح مشارق الأرض ومغاربها بالآلات الحديثة من كل ما سهل السفر وقصر المسافة، حتى صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة، وكأن بلدانها على بعدها بيوت متقاربة. إلى آخر كلامه الطويل، حوالي هذا التدليل والتعليل.

يقال: الحمد لله. لا ينكر أحد حدوث حصول أسباب جديدة مما سهلت الوصول إلى الحج،ولكن اشتمل كلامه في ذلك على مجازفات لاتخفى، وعلى القطع والجزم بأشياء لا يجوز الجزم بها بل هذه أشياء أمرها إلى الله، وربما يظهر من الواقع ما يكذبها.

ولا يفوت على الواقف على ما قررته هاهنا ماعم وطم ودهم وأدلهم من ليل الإدبار عن التسمي باسم الدين، وتهاون الأكثر من المتسمين به بأركانه الأصولية والفروعية. وبتقدير حصول الحجاج إلى كثرة تبلغ ما تصوره هذا الرجل، فإن الله سبحانه وتعالى يحدث من أنواع التيسير والتسهيل كوناً وقدراً على يد من يشار من عباده ما يقابل تلك الكثرة، بحيث لا توجد الصعوبة التي أشار إليها هذا الرجل، كما أن ربنا سبحانه وتعالى قد شرع ويسر مخرجاً من تلك ا لصعوبة سهلاً مناسباً جارياً على أصول ما بعث به تعالى خير بريته محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الدين السهل السمح الذي هو أبعد شيء عن الصعوبة والآصار والأغلال، كما سيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: وذلك أن الفقهاء قالوا: إن رمي كل يوم من أيام التشريق يدخل بزوال الشمس ويخرج بغروبها، وأنه لو رمى قبل الزوال أو بالليل لم يجزئه، ودليلهم في ذلك ما روى البخاري في صحيحه عن جابر قال:" رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس ".

يقال نعم: قالوه لهذا الدليل الصحيح الصريح الذي لا معارض له، وهو ما ساقه هذا الرجل قوله: فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان. يقال: هؤلاء الذين ذهبوا إلى ذلك متيقنين متحققين أنها سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم هم الصحابة والتابعون والأئمة أجمعون عملاً بقوله تعالى:? وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ? () فإن هذا الأمر في الآية الكريمة يشمل ما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم أو بفعله أو تقريره، وعملاً بقوله تعالى:?واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون? () والأيام المعدودات هاهنا هي أيام التشريق. وهذه الآية الكريمة دليل واضح في وجوب رمي الجمار، لما فيها من الأمر به.

قوله: ولم يفرقوا بين إمكان الفعل وتعذره، فكان هذا الفهم هو العامل الأكبر في حصول الضرر، وتوسيع دائرة الخطر، لأن التقدير بهذا الزمن القصير قد أفى بالناس إلى الحرج والضيق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير