تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقال أيضاً: السنة فرقت بين الضعفة وغيرهم، فجوزت الدفع لهم آخر ليلة جمع،ولم تجوز لواحد منهم الرمي أيام منى قبل الزوال خشية الزحمة، مما يعلم به أن التوقيت والتحديد لرمي الجمرات تلك الأيام آكد وأبلغ من التحديد والتوقيت للدفع من جمع. أفيكون المجوزون للدفع لغير الضعفة من جمع قبل الوقت الذي دفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدلين قولاً غير الذي قيل لهم مع وجود جنس الرخصة في حق بعض الحجاج، ولا يكون من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال الذي لم توجد الرخصة فيه لأحد غير مبدلين قولاً غير الذي قيل لهم؟! هذا في غاية البعد عن العدل والإنصاف.

قوله:ومما يدل على جواز الرمي قبل الزوال ما رواه البخاري في صحيحه، حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر عن وبرة، قال: سألت ابن عمر متى ارم الجمار قال: إذا رمى إمامك فارمه فأعدت عليه المسألة، فقال:" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" ().

يقال: هذا الرجل لبعده عن هذا الشأن، وعدم استحقاقه أن يجول في هذا الميدان، أصبح كعنز السوء تبحث عن حتفها بظلفها، وذلك أن حديث ابن عمر هذا أحد أدلة المسلمين، على أن سنة سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم وهديه الواجب الاتباع هاهنا أن لا ترمى الجمرات الثلاث أيام منى إلا بعد زوال الشمس، نظير حديث جابر وغيره من الأحاديث الدالة على توقيت رمي الجمار الثلاث بما بعد الزوال، وهذا هو صريح حديث ابن عمر المذكور الذي استدل به هذا الرجل على خلاف .. له، وذلك في قوله لما أعاد عليه وبرة السؤال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. فأخبر رضي الله عنه أن هديه وهدي سائر أصحابا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الرمي في أيام منى الثلاثة بعد زوال الشمس. فانخرط هذا الرجل في سلك الذين بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم.

والذي غره ما في قول ابن عمر لوبرة حين سأله متى أرم؟ فقال ابن عمر: إذا رمى إمامك فارمه. فمن أين لهذا الرجل أن هذا الإمام الذي أحال ابن عمر وبرة إلى أن يرمي إذا رمى كان يرمي قبل زوال الشمس، بل نعلم قطعاً أن هذا الإمام لا يرمي إلا بعد زوال الشمس، وإلا لزم أن ابن عمر يفتي من سأله بالاقتداء بمن يعلم أنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الرمي، وهذا في غاية البطلان، ولا سيما وابن عمر قد اشتهر من تعظيم السنة بما يعرفه كل أحد، ولا سيما أحكام الحج، وقصته مع الحجاج في وقت الوقوف بعرفة وما وضح له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومه.

وابن عمر رضي الله عنهما راعى هاهنا شيئين لم يراعهما هذا الرجل، بل قام بالدعاية ضدهما،وذلك أن ابن عمر عظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظم طاعة أُولي الأمر: فأحال وبرة هذه الإحالة تنبيهاً على طاعة الإمام وعدم مخالفته فيما لا يخالف الحق،وعظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" وهذا الرجل لم يبال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، وما تمسك به المسلمون من ذلك إلى زمننا هذا،ولم يبال بأولي الأمر، بل دعا إلا خلافهم بالدفع من عرفة قبلهم، والرمي أيام التشريق قبلهم. وتعليل هذا الرجل إحالة وبرة إلى رمي الإمام بعلة سعة الوقت،واستدلاله على ذلك بأنه لو كان رمي الجمار مؤقتاً بما بعد الزوال لأحاله إليه من أول مرة، لأن العلم أمانة والكتمان خيانة. تعليل فاسد،وتقرير ساقط، ولا يستقيم إلا بعد أن يتحقق أن ذلك الإمام يرمي قبل الزوال وأن ابن عمر عالم بتلك الحال، ولن يجد هذا الرجل إلى ذلك سبيلاً.

والصواب ـ والله أعلم ـ أن وبرة خشي أو ظن تفويت الإمام السنة بتأخير الرمي عن أول وقته، فأرشده ابن عمر إلى أن لا يخالف إمامه بشيء لا يخرج عن الحق، لما في موافقته من المصلحة الظاهرة العامة ولما في مخالفته من أسباب التفرق على الإمام، المسبب مالا يخفى من الشر والفساد، فلما كرر وبرة السؤال على ابن عمر رأى أن لا مناص من التنصيص عن الوقت، فقال:" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" ولا منافاة بين جواب ابن عمر لوبرة الأول وبين جوابه الثاني. وهذا الذي قررناه هو الحق بلا ريب، لما فيه من إعطاء النصوص حقها، والمحافظة على موقف ابن عمر منها، وطاعة أُولي الأمر بما لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير