هذا التقرير، ولكن ضرورة خوض هذا الرجل في هذه الأبحاث بغير علم ومباهتته ومكابرته ألجأتنا إلى هذا التقرير.
قوله: فقولنا بجواز الرمي قبل الزوال ليس من المخالفة في شيء بل هو نفس الموافقة.
يقال: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث أيام منى بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب، وأنت أيها الرجل رميت قبل الزوال، فما المخالفة غير هذا؟! إذا لم يكن هذا مخالفة فلا ندري ما المخالفة. ورمي جمرة العقبة يوم النحر هي وظيفة ذلك اليوم وعبادته، وأحكامها تختص بها، كما أن رمي الجمرات الثلاث أيام منى هي وظائف تلك الأيام، وأحكامها تختص بها، فلا يكون وقت عبادة يوم معين وقتاً لعبادات يوم آخر سواء. والتوقيت توقيفي، فما وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبادة يوم كان وقتاً لها فقط، فقياس جمرات منى في الوقت على وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر باطل، كبطلان التيمم حال وجود الماء، إذ من شرط القياس عدم النص، فوقت رمي الجمار أيام التشريق منصوص عليه، وإن أبيت إلا البقاء على مارأيت، فقس أيام التشريق على يوم النحر،واقتصر على رمي جمرة العقبة فقط فإن قلت: لا أفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث ولم يقتصر على جمرة العقبة.
قيل لك: ولا ترم الجمرات قبل زوال الشمس أيام التشريق، لكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما رماها بعد الزوال ولم يرم قبله.
وأما حكم هذا الرجل على من قال باجزاء رمي الجمرات جميعها إذا أُخرت فلم ترم إلا في آخر أيام التشريق مع منعهم رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال (بالتناقض) فهو من جهله إنما المتناقض من يمنع تقديم العبادة على وقتها تارة ويجوزه تارة أخرى، والتسوية بين تقديم العبادة على وقتها وتأخيرها عن وقتها لا يستقيم، إذ تقديمها على وقتها مبطل لها، وتأخيرها عن وقتها غير مبطل لها، إنما فيه التحريم والتأثيم إذا لم يكن معذوراً، هذا في التأخير المحقق. أما تأخيرها إلى وقت هو وقت لجنسها فلا يحكم عليه بحكم التأخير الحقيقي، فإنه وقت في الجملة، كما في حديث عاصم بن عدي ().
وزعم هذا الرجل عدم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذهب إليه بناءً على أمرين:
(أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة قبل زوال الشمس.
(الثاني) أن الفقهاء جوزوا تأخير رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق.
وقد قدمت لك بطلان دليله وفحش غلطه فيما ذهب إليه، وأنه أصر على القياس لزمه التناقض والانتكاس. وبما قدمته يعرف أن تجويزه رمي الجمار قبل الزوال مطلقاً في أية ساعة شاء من ليل أو نهار بناءً على الأمرين الذين وضحت بطلانهما. وبسقوط أصليه اللذين بنى عليهما يسقط ما لديه من بنيان، ويستقر الأمر على أن لا محيد له عما عليه المسلمون من اقتفاء سنة سيد ولد عدنان، وأن يرجع عما اشتملت عليه رسالته من الغلط والبهتان.
قولهه: وهذا مذهب طاووس وعطاء.
يقال له (أولاً) أنت مطالب بثبوت ذلك عنهما.
ويقال له (ثانياً) من طاووس وما طاووس، ومن عطاء وما عطاء، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشمس في رابعة النهار، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما حين ناظره من ناظره في متعة الحج،واحتج مناظره عليه بقول أبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال: أبو بكر وعمر، وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان،والله يقول:?فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم? () أتدري ماالفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. أفتترك توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقيت سواه؟ أفتقيس قياساً السنة تأباه، وكل من أهل العلم لا يرضاه؟!
قوله: ونقل في " التحفة " عن الرافعي ـ أحد شيخي مذهب الشافعي ـ الجزم بجوازه، قال: وحققه الأسنوي،وزعم أنه المعروف مذهباً،ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر لمتعجل قبل الزوال مطلقاً، وهي رواية عن الإمام أحمد ساقها في " الفروع" بصيغة الجزم بقوله: ويجوز رمي متعجل قبل الزوال.
¥