ولأن ماء الزعفران لا يقصده من يطلبه لنفس الماء. لكن لنفس طهارة المخالط للماء وهو الزعفران، فصار الماء في حكم التبعية للزعفران فوجب ألا تجوز الطهارة به. لأن المكلف إذا استعمله في عضو من أعضاء الطهارة، صار ذلك العضو مغسولا بماء ومائع. فلم يقع به الإجزاء، وهذا أبين من أن يتكلم عليه.
فإذا ثبت هذا، فاحتجاجهم بماء الكبريت والحمأة، وماء البير والبحر، فكله غير لازم. لأن تلك التسميات إنما هي إضافة إلى محاله التي هو فيها، وذلك لا يسلبه مطلق اسم الماء.
وإن قالوا: أليس يسمى الماء عذبا وأجاجا وملحا، وغير ذلك؟ فالجواب أن هذه صفات للماء، وذلك مما لا يزيله اسم الإطلاق، كالحسن والقبيح، والأبيض والأسود، والطويل والقصير في صفات بني آدم. وذلك ما لا يسلبهم مطلق الاسم الآدمي، فبان واتضح ما قلناه، والله أعلم.
كتاب الزكاة:
مسألة 92:
(في الفواكه والبقول والخضر هل فيها زكاة أم لا؟)
ولا زكاة في الفواكه والبقول والخضر كلها، وبه قال عمر، وعلي، وعبد الله بن عمر، وهو مذهب المشيخة السبعة من فقهاء المدينة، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، والحسن، ومكحول، وربيعة، والشافعي والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة: يجب الزكاة في ذلك كله.
واحتج أصحابه بقوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) فعم، وقوله عز وجل: (كلوا من ثمره إذا أثمر، وآتوا حقه يوم حصاده)، ولا حق فيه غير الزكاة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر).
ولأنه حق يجب في جنس (من) المال لا يتكرر، فوجب ألا يختص به بعض الجنس دون بعض اعتبارا بخمس الغنيمة.
والدليل على صحة ما قلناه: حديث معاذ عن النبي عليه السلام قال: (ليس في الخضراوات صدقة) وقوله صلى الله عليه لأبي موسى الأشعري، ومعاذ حين بعثهما إلى اليمن، يعلمون الناس أمور دينهم: (لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الحنطة والشعير والزبيب والتمر).
قال معاذ: (فأما البطيخ والقثاء والخضراوات فعفو عفا الله عنه).
وقالت عائشة: (مضت السنة ألا زكاة في الخضراوات). ولأنه نبت لا يقتات به، فأشبه الحشيش والقصب والحطب.
ولأنه جنس من المال، لا يعتبر النصاب في ابتدائه، فلم يجب فيه الزكاة، أصله الحطب.
ونفرض معهم المسألة في القدر اليسير من التفاح والقثاء، كالثلاثة والأربعة، ونحو ذلك، فنقول: ولأنه مال لا يحتمل المواساة، فأشبه العشرين من الغنم، والأربعة من الإبل، بل ما ذكرناه وفرضناه أولى، لأنه أضعف من احتمال المواساة.
فإذا ثبت هذا، فما احتجوا به من قوله تعالى: (ومما أخرجنا لكم من الأرض) فهو عام مخصوص بما تقدم ذكرنا له من الاحتجاج، وقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) لا حجة فيه، لأنه لا يتناول ما تنازعنا فيه، لأنه قال يوم حصاده، وذلك لا يتناول إلا ما يحصد غالبا، وعلى أنه مخصوص بقوله عليه السلام: (ليس في الخضراوات زكاة).
وقياسهم على خمس الغنيمة باطل لأنهم قالوا: حق يجب في جنس من المال لا يتكرر، فوجب ألا يختص به بعض الجنس دون بعض اعتبارا بخمس الغنيمة، والحشيش والقصب والحطب، لا زكاة في شيء من ذلك وهي من الجنس، فبطل ما قالوه واعتبروه من ذكر الجنس.
للفائدة: في كتاب الطهارة كله 17 مسألة تقريبا. وفي باب الحيض منه مثلا ثلاث مسائل فقط.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[21 - 05 - 04, 12:42 ص]ـ
منهج رائع، و هل هل نقول بأن الكتاب من الفقه المقارن، ثم هو يهتم بأدلة المالكية؟
ـ[عصام البشير]ــــــــ[28 - 05 - 04, 09:11 م]ـ
هو من كتب الخلاف، لأن موضوعه المسائل التي اختلف فيها المالكية مع غيرهم خاصة الحنفية والشافعية.
ـ[الأجهوري]ــــــــ[01 - 06 - 04, 03:50 ص]ـ
هناك كتاب با سم "فتح الرحيم المالك" للداه الشنقيطي.
يذكر فيه المذهب على صورة متن بعبارته هو ثم يتبعه بالأدلة الحديثية مع الإشارة للتخريج، الكتاب في 3 أجزاء لطيفة ولا أظن أنه يطبع الآن لأني كنت اشتريته من مكتبة تبيع كتب صفراء فقط من معرض القاهرة الدولي والكتاب طبعا من فصيلة الكتب الصفراء القديمة ذات الحروف البارزة, ولعلي أصفه لكم بتفصيل مرة أخرى لأن كتبي بعيدة عني الآن.
والكتاب أسلوبه طبعا عصري وفي المتن نوازل فقهية معاصرة ولكن سرده للأدلة عقب المتن غير مربوط بعبارات المتن ولو حتى بأرقام.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[14 - 06 - 04, 06:22 م]ـ
مكرر
ـ[ابن وهب]ــــــــ[14 - 06 - 04, 06:28 م]ـ
قال ابن العربي
(عطفنا عنان القول إلى مصائب نزلت بالعلماء في طريق الفتوى لما كثرت البدع وذهب العلماء وتعاطت المبتدعة منصب الفقهاء وتعلقت أطماع الجهال فنالوه بفساد الزمان ونفوذ وعد الصادق صلى الله عليه وسلم في قوله
(اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا
وبقيت الحال هكذا فماتت العلوم الا عند آحاد الناس
واستمرت القرون على موت العلم وظهور الجهل وذلك بقدرة الله تعالى
وجعل الخلف منهم يتبع السلف
حتى آلت الحال أن لاينظر في قول مالك وكبراء أصحابه
ويقال قد قال في هذه المسألة أهل قرطبة وأهل طليطلة وأهل طلمنكة
وصار الصبي إذا عقل وسلكوا به أمثل طريقة لهم علموه كتاب الله تعالى ثم نقلوه إلى الأدب
ثم إلى الموطأ ثم إلى المدونة ثم إلى وثائق ابن العطار ثم يختمون له بأحكام ابن سهل
ثم يقال قال فلان الطليطلي وفلان المجريطي وابن مغيث لاأغاث الله ثراه ولاأناله
رجاه
فيرجع القهقرى ولايزال يمشي إلى وراء
ولولا أن الله تعالى من بطائفة تفرقت في ديار العلم وجاءت بلبات منه كالقاضي أبي الوليد الباجي وأبي محمد الأصيلي فرشوا من ماء العلم على هذه القلوب الميتة وعطروا أنفاس الأمة الذفرة لكان الدين قد ذهب ولكن تدارك الباري تعالى بقدرته ضرر هولاء بنفع هولاء وربما سكنت الحال قليلا
)
انتهى
¥