قال ابن حجر: أَيْ إِبَاحَة ذَلِكَ وَتَخْيِير الْمُكَلَّف فِيهِ سَوَاء كَانَ فى رَمَضَان أَوْ غَيْره
وبوب مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ
وبوب مسلم - كتاب الصوم - بَاب التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ
وبوب البخاري - كتاب الصوم - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
قال ابن حجر: أشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّ سَبَب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ , وَأَنَّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مُجَرَّدًا فَقَدْ اِخْتَصَرَ الْقِصَّةَ , فَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْم لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْر , وَالْفِطْرُ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَة أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْم , وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَشَقَّةُ يُخَيَّرُ بَيْن الصَّوْم وَالْفِطْرِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَقَالَتْ طَائِفَة: لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ فِي السَّفَر عَنْ الْفَرْض , بَلْ مَنْ صَامَ فِي السَّفَر وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي الْحَضَرِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " وَمُقَابَلَةُ الْبِرِّ الْإِثْمُ , وَإِذَا كَانَ آثِمًا بِصَوْمِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَهَذَا قَوْل بَعْض أَهْل الظَّاهِر , وَحُكِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عُمَر وَأَبِي هُرَيْرَة وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) قَالُوا ظَاهِره فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ فَالْوَاجِب عِدَّة.
وَمُقَابِل هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّوْم فِي السَّفَر لَا يَجُوز إِلَّا لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسه الْهَلَاك أَوْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْم.
وَذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء وَمِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة إِلَى أَنَّ الصَّوْم أَفْضَل لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ كَثِير مِنْهُمْ الْفِطْر أَفْضَل عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مُخَيَّر مُطْلَقًا.
وَقَالَ آخَرُونَ أَفْضَلهمَا أَيْسَرهمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ) فَإِنْ كَانَ الْفِطْر أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَفْضَل فِي حَقِّهِ , وَإِنْ كَانَ الصِّيَام أَيْسَرَ كَمَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بَعْد ذَلِكَ فَالصَّوْم فِي حَقّه أَفْضَل وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر.
وَلَكِنْ قَدْ يَكُون الْفِطْر أَفْضَلَ لِمَنْ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ الصَّوْم وَتَضَرَّرَ بِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ ظُنَّ بِهِ الْإِعْرَاض عَنْ قَبُول الرُّخْصَة ... رَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي طُعْمَةَ قَالَ: قَالَ رَجُل لِابْنِ عُمَر: إِنَى أَقْوَى عَلَى الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ لَهُ اِبْن عُمَر: مَنْ لَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْم مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ , وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْ الرُّخْصَة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
¥