تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من أعظم ما فرض الله على عباده لتزكية أنفسهم وسلامتها من العداوة والبغضاء، والشح والإيذاء، ورغبتها فيما عند الله وتذكيرها بلقائه يوم الدين، لما فيه من بذل الجهد، وإنفاق المال، وتحمل المشاق والصعاب، ومفارقة الأهل والأوطان، وهجر الأعمال الدنيوية، والإقبال على الله بالطاعة والعبادة، والاجتماع بالإخوان في الله الوافدين من سائر أنحاء الأرض: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [17]. فليحرص الحاج على ما يرضي ربه، ويكثر من تلبيته وذكره ودعائه والتقرب إليه بالمواظبة على فعل الطاعات، والبعد عن السيئات، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله تعالى قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .. )) [18] من حديث رواه البخاري رحمه الله. وولي الله هو المؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، المستقيم على دينه، بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما قال سبحانه: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} [19]. ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه الحاج وغيره المحافظة على أداء الصلوات المفروضة جماعة في أوقاتها وفي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، ولا سيما المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، فإن لهما ميزة عظيمة على سائر المساجد، والله يضاعف فيهما أجر الصلاة، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)) [20] أخرجه أحمد، وابن ماجة رحمهما الله بإسناد صحيح. وأخرج الإمام أحمد مثله عن ابن الزبير وصححه ابن حبان وإسناده صحيح. وهذا خير جزيل وفضل من الله عظيم ينبغي العناية به والحرص عليه، يقول الله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [21]. خامساً: يجب على الحاج وغيره أن يحفظ لهذه الأماكن المقدسة حرمتها، فلا يهم فيها بعمل سوء، فقد توعد الله من فعل ذلك بعذاب أليم، قال تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [22] قال عطية العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى الظلم في هذه الآية: هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك، من إساءة أو قتل؛ فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يقاتلك، فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأليم. ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية. فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن لا يؤذي بعضهم بعضاً، لا في نفس ولا في مال ولا في عرض، بل يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) [23] رواه مسلم رحمه الله في صحيحه. وقد حرم الله إيذاء المؤمنين والمؤمنات بأي نوع من الإيذاء، في كل مكان وفي كل زمان، فكيف بإيذائهم في البلد الأمين، وفي الأشهر الحرم، وفي وقت أداء المناسك، وفي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لاشك أن هذا يكون أشد إثماً وأعظم جرماً، قال الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [24] وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} [25]. فالمطلوب من الحاج أن يكون سلماً على نفسه، سلماً على غيره، من إنسان وحيوان، وطير، ونبات، ولا ينالهم منه أذى، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحرمة المسلم عند الله عظيمة، وظلمه معصية كبيرة، والظلم عاقبته وخيمة قال الله تعالى: {ومن يظلم منك نذقه عذاباً كبيراً} [26].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير