تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم الشيخ محمد واعظ زادة الخراساني، منحني الله وإياه الفقه في الدين، وأعاذنا جميعاً من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين.

سلامٌ عليكم ورحمة الله، وبركاته، أما بعد:

فقد وصلني كتابكم، وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق وجميع ما شرحتم كان معلوماً.

وقد وقع في كتابكم أمور تحتاج إلى كشف وإيضاح، وإزالة ما قد وقع لكم من الشبهة، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» [رواه مسلم].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم] وغيرهما من الأحاديث الكثيرة في هذا الباب.

وقد أرشد إلى ذلك مولانا سبحانه في قوله عزّ وجلّ: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]، وقوله سبحانه وتعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125].

فأقول: ذكرتم في كتابكم ما نصه: ((ومع احترامي وتقديري لجهودكم في هذا السبيل خطر ببالي بعض الملاحظات، أحببت أن أبديها لكم راجياً أن يكون فيها خير الإسلام والمسلمين، والاعتصام بحبل الله المتين في سبيل تقارب المسلمين، ووحدة صفوفهم في مجال العقيدة والشريعة.

أولاً: لاحظتكم تعبرون دائماً عن بعض ما شاع بين المسلمين من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الأولياء كمسح الجدران، والأبواب في الحرم النبوي الشريف وغيره شركاً وعبادة لغير الله. وكذلك طلب الحاجات منه ومنهم، ودعاؤهم وما إلى ذلك. إني أقول: هناك فرق بين ذلك، فطلب الحاجات من النبي ومن الأولياء باعتبارهم يقضون الحاجات من دون الله أو مع الله، فهذا شرك جلي لا شك فيه، لكن الأعمال الشائعة بين المسلمين، والتي لا ينهاهم عنها العلماء في شتى أنحاء العالم الإسلامي. من غير فرق بين مذهب وآخر، ليست هي في جوهرها طلباً للحاجات من النبي والأولياء، ولا اتخاذهم أرباباً من دون الله، بل مرد ذلك كله- لو استثنينا عمل بعض الجهال من العوام- إلى أحد أمرين: التبرك والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره، أو بغيره من المقربين إلى الله عزّ وجلّ.

أما التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم من غير طلب الحاجة منه، ولا دعائه، فمنشأه الحب والشوق الأكيد، رجاء أن يعطيهم الله الخير، بالتقرب إلى نبيه، وإظهار المحبة له، وكذلك بآثار غيره من المقربين عند الله.

وإني لا أجد مسلماً يعتقد أن الباب والجدران يقضيان الحاجات، ولا أن النبي أو الولي يقضيها، بل لا يرجو بذلك إلا الله، إكراماً لنبيه، أو لأحد من أوليائه، أن يفيض الله عليه من بركاته. والتبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، كما تعلمون ويعلمه كل من اطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كان معمولاً به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتبركون بماء وضوئه، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره، وكل شيء منه، ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولعلكم تقولون: أجل كان هذا وهو معمول به الآن بالنسبة إلى الأحياء من الأولياء والأتقياء لكنه خاص بالأحياء دون الأموات لعدم وجود دليل على جوازه إلا في حال الحياة بالذات، فأقول: هناك بعض الآثار تدل على أن الصحابة قد تبركوا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّه كان يمسح منبر النبي صلى الله عليه وسلم تبركاً به.

وهناك شواهد على أنهم كانوا يحتفظون بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون، يحتفظون بثوب النبي صلى الله عليه وسلم تبركاُ به، لا سيما في الحروب، ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم ودينهم)) انتهى المقصود من كلامكم.

والجواب أن يقال: ما ذكرتم فيه تفصيل:

فأمّا التبرك بما مسّ جسده صلى الله عليه وسلم من وضوء أو عرق أو شعر ونحو ذلك فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان. لما في ذلك من الخير والبركة. وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير