فأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي، فبدعة لا أصل لها، والواجب تركها؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [متفق على صحته]، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري رحمه الله في صحيحه جازماً بها: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" والأحاديث في ذلك كثيرة.
فالواجب على المسلمين التقيد في ذلك بما شرعه الله كاستلام الحجر الأسود وتقبيله، واستلام الركن اليماني.
ولهذا صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما قبَّل الحجر الأسود:
(إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) [رواه البخاري، ومسلم].
وبذلك يعلم أن استلام بقية أركان الكعبة، وبقية الجدران والأعمدة غير مشروع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يرشد إليه، ولأن ذلك من وسائل الشرك. وهكذا الجدران والأعمدة والشبابيك وجدران الحجرة النبوية من باب أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك، ولم يرشد إليه، ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم.
وأما ما نُقِلَ عن ابن عمر رضي الله عنهما، لم يوافقه عليه أبوه ولا غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم منه بهذا الأمر، وعلمهم موافق لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة. وقد قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بلغه أن بعض الناس يذهبون إليها ويصلون عندها، خوفاً من الفتنة بها، وسداً للذريعة.
وأما دعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك فهو الشرك الأكبر، وهو الذي كان يفعله كفار قريش مع أصنامهم وأوثانهم، وهكذا بقية المشركين يقصدون بذلك أنها تشفع لهم عند الله، وتقربهم إليه زلفى، ولم يعتقدوا أنها هي التي تقضي حاجاتهم وتشفي مرضاهم وتنصرهم على عدوهم، كما بيّن الله سبحانه وتعالى ذلك عنهم في قوله سبحانه: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18]، فردّ عليهم سبحانه وتعالى بقوله: {قل أتُنبّئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يُشركون} [يونس: 18].
وقال عزّ وجلّ في سورة الزمر: {فاعبدِ الله مخلصاً له الدين. ألا لله الدّين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي من هو كاذب كفار} [سورة الزمر: 2 - 3] فأبان سبحانه في هذه الآية الكريمة: أن الكفار لم يقصدوا من آلهتهم أنهم يشفون مرضاهم، أو يقضون حوائجهم، وإنما أرادوا منهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، فأكذبهم سبحانه ورد عليهم قولهم بقوله سبحانه: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} سماهم كذبة وكفاراً بهذا الأمر.
فالواجب على مثلكم تدبر هذا المقام وإعطاؤه ما يستحق من العناية. ويدل على كفرهم- أيضاً- بهذا الاعتقاد قوله سبحانه: {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يُفلح الكافرون} [سورة المؤمنون: 117].
فسماهم في هذه الآية كفاراً وحكم عليهم بذلك لمجرد الدعاء لغير الله من الأنبياء والملائكة والجن وغيرهم.
ويدل على ذلك أيضاً قوله سبحانه في سورة فاطر: {ذلكُمُ الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا يُنبّئك مثل خبير} [فاطر: 13، 14] فحكم سبحانه بهذه الآية على أن دعاء المشركين لغير الله، من الأنبياء والأولياء، أو الملائكة أو الجن، أو الأصنام أو غير ذلك بأنه شرك، والآيات في هذا المعنى لمن تدبر كتاب الله كثيرة.
¥