أما تقبيل الجدران أو الشبابيك أو غيرها، واعتقاد أن ذلك عبادة لله، لا من أجل التقرب بذلك إلى المخلوق. فإن ذلك يسمى بدعة لكونه تقرباً لم يشرعه الله، فدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه البخاري، ومسلم].
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [رواه أبو داود وأحمد].
وأما تقبيل الحجر الأسود، واستلامه واستلام الركن اليماني فكل ذلك عبادة لله وحده واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لكونه فعل ذلك في حجة الوداع وقال:
«خذوا عني مناسككم» [رواه البيهقي، وابن عبد البر]
وقد قال الله عزّ وجلّ: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21].
وأما التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وعرقه ووضوئه فلا حرج في ذلك كما تقدم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة عليه لما جعل الله تعالى فيه من البركة، وهي من الله سبحانه، وهكذا ما جعل الله في ماء زمزم من البركة حيث قال صلى الله عليه وسلم عن زمزم: «إنها مباركة، وإنها طعام طعم، وشفاء سقم» [رواه مسلم، وأحمد].
والواجب على المسلمين الاتباع والتقيد بالشرع، والحذر من البدع القولية والعملية. ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر الصديق رضي الله عنه، أو عرقه أو وضوئه، ولا بشعر عمر، أو عثمان، أو علي، أو عرقهم أو وضوئهم، ولا بعرق غيرهم من الصحابة، وشعره ووضوئه، لعلمهم بأن هذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره في ذلك، وقد قال الله عزّ وجلّ: {والسَّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والَّذين اتَّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنَّاتٍ تجري تحتها الأنهارُ خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة: 100].
وقال كثير من الصحابة رضي الله عنهم: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم.
وأما توسل عمر رضي الله عنه والصحابة بدعاء العباس في الاستسقاء، وهكذا توسل معاوية رضي الله عنه في الاستسقاء بدعاء يزيد بن الأسود، فذلك لا بأس به، لأنه توسل بدعائهما وشفاعتهما ولا حرج في ذلك.
ولهذا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه: ادع الله لي، وذلك دليل من عمل عمر والصحابة رضي الله عنهم ومعاوية رضي الله عنه على أن لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ولا غيره بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك جائزاً لما عدل عمر الفاروق والصحابة رضي الله عنهم عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس، ولما عدل معاوية رضي الله عنه عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بيزيد بن الأسود، وهذا شيء واضح بحمد الله.
وإنما يكون التوسل بالإيمان به صلى الله عليه وسلم ومحبته والسير على منهاجه وتحكيم شريعته وطاعة أوامره، وترك نواهيه. هذا هو التوسل الشرعي به صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل السنة والجماعة وهو المراد بقول الله سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة} [الأحزاب: 21].
وبما ذكرنا يُعلم أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته من البدع التي أحدثها الناس، ولو كان ذلك خيراً لسبقنا إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أعلم الناس بدينه وبحقه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.
وأما توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم إلى الله سبحانه في رد بصره إليه فذلك توسل بدعائه وشفاعته حال حياته صلى الله عليه وسلم ولهذا شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له.
والله المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، وأن يوفق جميع حكام المسلمين للفقه في الدين، والحكم بشريعة الله سبحانه، والتحاكم إليها، وإلزام الشعوب بها، والحذر مما يخالفها عملاً بقول الله عزّ وجلّ: {فلا وربّك لا يؤمنونَ حتى يُحكّموك فيما شجرَ بينهم ثُمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسلمياً} [النساء: 65]، وبقوله سبحانه: {أفَحُكْمَ الجاهليةِ يبغون ومن أحسن من الله حُكماً لِّقومٍ يُوقنون} [المائدة: 50]، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
¥