وكان مبدأ مشروعية الأضحية أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يذبح قرباناً يقربه إلى الله في عيد يوم النحر فذبح كبشاً, فكان سنة في ذريته, لأن الله سبحانه أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يتبع ملة إبراهيم, فسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فأنزل الله (فصل لربك وانحر) (الكوثر2) قال جماعة من المفسرين: نزلت في صلاة العيد, ثم في النحر بعد, فالأمر بالأضحية إنما شرع في حق من خوطب بفعل صلاة العيد, وهم الأحياء, وفي البخاري عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي, ثم نرجع فننحر, من فعل هذا فقد أصاب سُنتنا, ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله)). . فقال أبو برده ابن دينار وكان قد ذبح قبل الصلاة: يا رسول الله إن عندي عناقاً جذعة. فقال: اذبحها ولا تجزئ عن أحد بعدك)). فالنصوص الصحيحة الشرعية الواردة في فضل الأضحية إنما وردت في خصوص أضحية الحي عن نفسه وأهله, إذ هي الأضحية الشرعية المنصوص عليها بالكتاب والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة, فلا تكون أضحية ولا يترتب عليها هذه الفضائل إلا إذا وقعت موقعها من الصفة المأمور بها على الوجه المطابق للحكمة في مشروعيتها, بأن يقصد بها امتثال أمر الله, واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وتجردت عن البدع الخاطئة, والتصرفات السيئة, فيكون ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها لأن في ذبحها إحياء لسنتها وامتثالً لطاعة الله فيها, وخروجاً من عهدة من قال بوجوبها, ولكونه يتمكن من الصدقة كل وقت ولا يتمكن من فعل الأضحية إلا في الوقت المحدود لها, أشبه العقيقة, فإن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها بالإجماع.
الأضحية عن الميت. . . أما الأضحية عن الميت فإنه بمقتضى التتبع والاستقراء لكتب الصحاح والسنن والمسانيد لم نجد حديثاً صحيحاً, ولا دليلاً صريحاً من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يأمر فيه بالأضحية عن الميت, أو يشي إلى وصول ثوابها إليه, ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ضحى لميته, أو أنه أوصى أن يضحي عنه بعد موته, ولا يقف وقفاً في أضحية, فليس لها ذكر عندهم, لا في أوقافهم ولا وصاياهم ولا تبرعاتهم لموتهم, فلو كانت الأضحية عن الميت من السنة, أو أنه يصل إلى الميت ثوابها لسبقونا إليها, فعدم فعلها يعد من الأمر المجمع عليه زمن الصحابة, واستصحاب حكم الإجماع في محل النزاع حجة, كما أن ظاهر من مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة أنه لا أضحية للميت لعدم مشروعيتها, فهي شاة لحم, لكون الأضحية الشرعية إنما شرعت في حق الحي تشريفاً لعيد الإسلام وإظهار للفرح والسرور والشكر على بلوغه,
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أرشد الأولاد بأن يتصدقوا عن والديهم الميتين, ولم يأمرهم بأن يضحوا عنهم, من ذلك ما روى البخاري ومسلم أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله, إن أمي افتلتت نفسها ولم توص, وأظنها لو تكلمت تصدقت, أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم, تصدق عن أمك. ولم يقل ضح عن أمك.
وروى مسلم في صحيحه أن رجلاً قال: يا رسول الله, إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص, فهل يكفر عنه أن أتصدق عن؟ قال: نعم, تصدق عن أبيك.
ومثله ما روى أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه أن رجلاً من بني ساعده جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ,فقال: يا رسول الله, إن أبوي قد ماتا, فهل بقي من برهما شيء أبرهما به بعد موتهما, قال: نعم, الصلاة عليهما, والاستغفار لهما, وإنفاذ عهدهما من بعدهما, وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما, وإكرام صديقهما من بعدهما, فهذه وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلة والصدقة وبالدعاء التي يصل إليهما نفعهما, ولو كانت الأضحية عنهما بعد موتهما أنها من البر, أو أنه يصل إليهما لأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعلها, ويدل على ذلك ما روى مسلم حديث أبي هريرة ?أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, وعلم ينتفع به, أو ولدٍ صالحٍ يدعوا له. . ولم يذكر الأضحية ولا وصول ثوابها إليه.
¥