وحيث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحداً أن يضحي عن ميته, ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه ضحى عن ميته, ولا أوصى أن يضحى عنه بعد موته, علمنا حينئذ أنها ليست بمشروعة عن الميت, ولا مرغب فيها, ولو كان خيراً لسبقونا إليه, لأن الصدقة بثمن الأضحية عن الميت أفضل من ذبح الأضحية عنه, لكون الصدقة في خاصة عشر ذي الحجة تصادف من الفقير موضع حاجة, وشدة فاقة لما يتطلبه العيد من الحاجة والنفقة والكسوة له ولعياله, فتقع هذه الصدقة من الفقير بالموقع الذي يحب الله من تفريج كربته, وقضاء حاجته, وإدخال السرور عليه وعلى أهل بيته, والقرآن الكريم مملوء بذكر الحث على الصدقة, وأنها لا تنقص المال بل تزيده, وهي من العمل الصالح الذي يحبه الله في خاصة هذه الأيام العشر يقول الله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأكرمين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة 215].
وقد مدح الله من آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب, وأقام الصلاة, وآتى الزكاة.
أفضل الصدقة:
ولا أفضل من كون الإنسان يرى صدقته ماضية في حالة صحته وحياته كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح, تأمل الغنى وتخشى الفقر, ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا, أو لفلان كذا, وقد كان لفلان)) ,وأكثر الناس إنما يتصدق عند الموت, ثم يأكل الوصي صدقته ولا ينفذها, فما نفع الناس مثل اكتسابه لحسناته لنفسه دون أن يتَّكل على غيره.
فالإنسان المقتدر من رجل وامرأة لا ينبغي أن يبخل عن نفسه بأضحية أو أضحيتين, يذبحها في يوم عيد الأضحى, قربانا يقربها يرجو ثوابها عند الله, لأن له لكل شعرة حسنة, وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين, أما الفقير فلا ينبغي له أن يحزن, فقد ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل من لم يضح من أمته, فلا تحزن أيها الفقير فقد ضحى عنك البشير النذير.
وفي هذه الأيام يكثر سؤال الناس عن أخذ الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي, وقد قال بعض الفقهاء بأنه يجب كف اليد عن أخذ الشعر أو قلم الظفر في عشر ذي الحجة, مستدلاً بما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ,قال: (من أراد أن يضحي أو يضحى عنه فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره).
وقد أنكرت عائشة على أم سلمة رضي الله عنهما هذا الحديث, وقالت: إنما قال هذا في حق من أحرم بالحج خاصة (قاله في المغني) ,وهذا هو الأمر المعقول, فقد أباحوا لمن أراد أن يضحي الجماع والطيب, فما بالك بأخذ الشعر وقلم الظفر, وعائشة هي أعلم بالسنة من أم سلمة, وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يضحي كل سنة وعن أهل بيته ولم يجتنب شيئاً كان مباحاً له.
وعلى هذا. . إذا قص الإنسان شيئاً من شعره, أو قلم أظافره, أو نقضت المرأة رأسها فتساقط منه شعر, أو قصت شيئاً من شعرها, أو أظافرها فإن هذا لا يمنع من فعل الأضحية, بل تضحي وأضحيتها صحيحة, كما أنه يجوز للمرأة أن تستعمل الحناء والكحل والطيب في عشر ذي الحجة, ولا بأس بذلك, ما شاع على ألسنة الناس من قولهم: إن من أراد أن يضحي فليمتنع عن سائر محذورات الإحرام, فهذا الكلام لا أصل له, بل يباح كل شيء لمن أراد أن يضحي أو يضحى عنه, لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع في عشر ذي الحجة عن شيء كان مباحاً له, وقد داوم على ذبح الأضحية عشر سنين في بالمدينة المنورة. . والله أعلم.
نسأل الله سبحانه تعالى أن يعمنا وإياكم بعفوه, وأن يسبغ علينا وعليكم واسع فضله, وأن يدخلنا برحمته في الصالحين من عباده وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
مجلة الأمة ذو الحجة1403هـ.
الرابط: http://islameiat.com/main/?c=156&a=2083
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[05 - 12 - 07, 12:12 م]ـ
عشره ذي الحجة - فضائلها - والأعمال المستحبة فيها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،، وبعد:
¥