إن حق التنازل عن المؤلف يتمثل بشكل مشابه بحق البيع، ويكون التنازل في أكثر الأحيان دون عوض مادي، و لذلك فإن ما ورد من نصوص بحق البيع تنطبق على حق التنازل.
هذا في القوانين الوضعية التي تختلف من بلد إلى آخر، ولكن ما الأحكام التي نصت عليها الشريعة والفقه في هذه الحقوق.
فقد ثبت كما بينا سابقاً أن حق الابتكار حق تقره الشريعة الإسلامية بفضل أسبقيته إلى ابتكار ذلك الشيء، فينطبق عليه ما ينطبق على حق الأسبقية من أحكام، وأن بعض الشافعية و الحنابلة أجازوا بيع هذا الحق، ولكن المختار عندهم عدم جواز البيع، ولكن يجوز التنازل عنه بمال، وقد أجاز البهوتي في شرح منتهى الإرادات التنازل عن حق التحجير وحق الجلوس في المسجد، وهذه من حقوق الأسبقية والاختصاص، ومقتضى ذلك أنه يجوز التنازل عن حق الابتكار أو حق الطباعة لرجل آخر بعوض يأخذه المتنازل، ولكن هذا يتأتى في أصل الذي يبذله المبتكر من أجل جهده وماله ووقته، والذي يعطي هذا الحق مكانة قانونية تمثلها شهادات مكتوبة بيد المبتكر وفي دفاتر الحكومة، وصارت تعد في عرف التجار مالاً متقوماً فلا يبعد أن يصير هذا الحق المسجل ملحقاً بالأعيان والأموال بحكم هذا العرف السائد، ونظراً إلى هذه النواحي أفتى أكثر العلماء المعاصرين بجواز بيع هذا الحق. ومن الجدير بالذكر أن العلامة المفتي محمد شفيع تقي العثماني- رحمه الله تعالى- كان يفتي بعدم جواز بيع حقوق النشر، وله في ذلك رسالة وجيزة مطبوعة في كتابه (جواهر الفقه)، ولكنه بعد أن انتهى من تأليف كتابه أراد أن يعيد النظر في فتواه وأن يدرس المسألة من جديد ببحث وتحقيق مستفيض بما ينقح مسألة الحقوق والاعتياض عنها، وكان منفتحاً لكل رأي جديد يسنح له، ولكن وافته المنية قبل الشروع في ذلك. [13]
4 - متى تسقط هذه الحقوق:
إن النظم العربية والغربية وإن كانت متفقة في الأصل على ضرورة الحماية لحقوق المؤلفين لصالحهم ولصالح الأمة أيضاً إلاّ أنها تختلف من بلد لآخر في بعض جزئيات النظام ومواده، وهذا الاختلاف تفرضه السلطة القضائية التي تتبناها الحكومة التي تصدر هذا النظام أو ذاك، وهكذا شأن ما كان من عند غير الله يكون فيه الاختلاف.
ونبين المدة التي يحتفظ بها المؤلف لمصنف ما مهما كان نوعه، ومتى تسقط هذه الحقوق أو تنتقل، وذلك من خلال قانون حماية الملكية الفكرية الصادر في سورية برقم (12) لعام 2001 وأكثر القوانين الوضعية في مختلف دول العالم تشابه ما سنذكره مع بعض الاختلاف البسيط.
تتمتع بالحماية حقوق المؤلف طوال حياته وحتى خمسين سنة من وفاته، وإذا اشترك في تأليف المصنف أكثر من شخص فإن الحماية تشمل المؤلفين كافة حتى غاية خمسين سنة من وفاة آخر المشاركين في تأليف المصنف. [8]
كذلك يتمتع بالحماية المصنف الذي ينشر دون اسم مؤلفه أو ينشر باسم مستعار مدة خمسين سنة بدءاً من تاريخ النشر بطريقة مشروعة. [8]
وإن حماية المصنفات السمعية/ البصرية أو الإذاعية أو السينمائية تمتد طوال خمسين سنة بدءاً من تاريخ إنتاج المصنف، وإذا وضع المصنف بمتناول الجمهور بموافقة المؤلف خلال تلك الفترة فإن الحماية تمتد طوال خمسين سنة اعتباراً من تاريخ الوضع. [8]
إن حماية المصنفات الفوتوغرافية أو مصنفات الفنون التشكيلية والتطبيقية تمتد طوال عشر سنوات بدءاً من تاريخ إنتاج المصنف. [8]
تؤول إلى الملك العام جميع المصنفات غير المحمية أو التي انقضت مدة حمايتها. [8]
والمسألة في الفقه تتمثل في أن الأفكار والحقائق والنتائج هي حصيلة جهد وعمل وسهر وبحث المؤلف، لذلك فهي حقوقه الخاصة التي يحرص عليها، ويدافع عنها. ويزعجه أن تنتزع منه بأن ينتحلها إنسان لنفسه ويدّعيها له، بينما لم يجتهد في تحصيلها ولا بحثها ولا أنفق المال والوقت في سبيلها. ولقد سمى العلماء منتحل أعمال الآخرين (العلمية أو الأدبية أو الفنية) سارقاً، فهتكوا ستره، و فضحوا جريمته، و ألفوا في شأنه الكتب التي تكشف سوء فعلته. وإذا كانت هذه المؤلفات و الإبداعات والابتكارات حقاً لمن اجتهد في تحصيلها وتأليفها و إظهارها، و كان في الناس من يحرص على الانتفاع بها، فإنها إذن: منفعة، والمنفعة (مال)، و المنفعة لها قيمة مادية معترف بها شرعاً. إن بائع الكتاب إنما يبيع (الورق والحبر و الجلد الذي يحتويه). أما الحقائق
¥