فإذا ثبتت كتابة القرآن والسنة وقد جاء الأمر بهما فليس ثمة ما يكتبون عليه إذن غير ما ذكرنا من الجلود، والعظام؛ فهل تُعَدُّ الكتابة على الجلد سواء كان جلد بعير، أو كتفه، أو جلد شاة حراماً (؟) والجواب بغير ارتياب: (كلا)؛ فإذا جازت الكتابة على جلد البعير؛ فمن باب أولى على جلد البشر، وكيف إذا كان هذا البشر مسلماً مؤمناً قانتاً لله حنيفاً، ولم يك من المشركين (؟!) والمؤمن لا ينجس أبداً كما جاء في الحديث الصحيح: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ)) (10) وجِلْدُ المُؤْمِنِ بَعْضٌ مِنْهُ، وَجِلْدُهُ أَطْهَرُ مِنْ جِلْدِ البَعِيرِ، وَكَتِفِهِ؛ بلا خلاف (فَأَبْصِرْ).
((أَحَرَامٌ عَلَى بَلابِلِهِ الدَّوْحُ
حَلالٌ لِلطَّيْرِ مِنْ كُلِّ جِنْسِ)) (؟)
فأيَّ إهانةٍ لكتاب الله هذه؛ أن يُكْتَبَ على جِلْدٍ طَاهِرٍ ثَبَتَ عَقْلاً، وَنَقْلاً طُهْرُهُ مِنَ الرِّجْسِ (؟!)
فهل يقال بعد هذا أنَّ الكتابةَ على الجلد حرامُ (؟)، وفيها لكلام الله امتهان (!) لا يقول بهذا إلا من حُرِمَ الفهم الرَّجِيح، والفقه الصحيح، فأولى له أن يصمت ويستريح.
فمن فرق بين الجلدين في الجواز فعليه الدليل.
إذن حكم الكتابة شرعاً هو الجواز، فليس حراماً الكتابة على الجلود، بل هي أمر جائز لا شيء فيه.
من كتب من السلف على الجلود عامة، ومن كتب على جلود الناس خاصة:
كتابة السلف على الجلود كجلد البعير، والشاء، ((وأكتاف الإبل، وسعف النخيل))، والرقاع؛ والرُّقُوق؛ هذا أمر معلوم، مشهور، لا يحتاج إلى إقامة دليل، أو بيان حجة، فما من طالب، أو عالم، أو كاتب منهم؛ إلا وقد كتب على ذلك، بين مقل منهم، ومكثر؛ لثبوت استخدام ما ذكرنا كأداة كتابة في عصورهم، وكما جاء في كتبهم وأسفارهم التي دونوها، وزبروها، ودبَّجُوها.
وأما الكتابة على جلود الناس، فأشهر من قال وعمل بها فهو شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد تابعه على ذلك تلميذُهُ، وَقَفِيُّهُ؛ ابن قيم الجوزية، بل وهذا هو المشهور الظاهر في عصرهم، فقد جرى به عمل الناس عندهم، وستأتي الإشارة لذلك في الحاشية.
سلفنا في جواز الكتابة:
وقد ذكر ذلك عنه رحمه الله في كتابه القيم: ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) قال رحمه الله: ((كتاب الرعاف (11): كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته: ((وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر))، وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبرأ، فقال: ولا يجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال (12)، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى)).
وقال أيضاً: ((كتاب لوجع الضرس (11): يكتب على الخد الذي يلي الوجع: بسم الله الرحمن الرحيم: ((قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون)). . . وإن شاء كتب: ((وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم)) (13). انتهى كلامه رحمه الله تعالى
من وافق شيخ الإسلام من المعاصرين:
فمن هؤلاء الشيخ عبد الله بن جبرين في إحدى فتاويه:
فتوى الشيخ ابن جبرين حول حكم الكتابة على جسد المريض
يقول السائل: ((عندما يكون الجني قد سكن في أي عضو من أعضاء الجسم، كاليد، او الرجل، أو الفم، أقوم بكتابة قوله تعالى: ((إن بَطْشَ رَبك لَشَديدٌ)) أو قوله تعالى: ((ن وَالْقَلَم وَمَا يَسْطُرُونَ)) وغيرها من الآيات، بنية طرده أو تعذيبه، فيحصل أن الجني ينفر من ذالك العضو، فما حكم ذلك حفظكم الله (؟؟)))
الجواب: ((لا بأس برقية المصروع، والذي غلبت عليه الرياح الشيطانية، وإذا جرب الكتابة على بعض الأعضاء لآية أو لبعض آية، وعرف أن ذلك الجني ينفر من هذه الكتابة، ويتألم منها، فلا بأس بذلك ولو تضرر الجني، ولو مات بهذه الكتابة، فإنه هدر حيث إنه تعدى وظلم بهذه الملابسة، وأضر بذلك الإنسان، فيجوز طرده بالرقية بآيات أو أحاديث أو أدعية لها تأثير في شفاء ذلك المصروع)). انتهى كلامه
ومن هؤلاء أيضاً:
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
وقد ذُكِرَ عنه أنه جرب بنفسه كتابة قوله تعالى: ((فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت)) لعلاج الحزاز (14) ـ مرض جلدي ـ فنفعت.
¥