يطيب لدعاة الأخذ بالموت الدماغي في نقل الأعضاء من المرضى به أن يوهموا أنفسهم أو غيرهم بدخولهم في عموم قول الله تعالى في النفس البشرية: {و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}، و يغفلون حقيقة دخولهم في عموم بقية الآية الكريمة، و هي قوله تعالى: { ... أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا}
و الآية بتمامها: قال الله عزّ و جلّ: ? مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ? {سورة المائدة: الآية 32}
جاء في تفسير الطبري:
عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"، قال: من كف عن قتلها فقد أحياها " ومن قتل نفسا بغير نفس ... فكأنما قتل الناس جميعًا "، قال: ومن أوبقها.
و قال الإمام القرطبي: وعنه [ابن عباس] أيضا أنه قال: المعنى من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا، ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفا من الله فهو كمن أحيا الناس جميعا. [تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن]
فالقائلون بالموت الدماغي لانتزاع الأعضاء و زرعها داخلون في عموم قوله تعالى {فكأنما قتل الناس جميعا}؛ لمشاركتهم في قتل نفس معصومة.
و كل من شارك في تلك الجريمة و لو بشطر كلمة داخل أيضا في عموم قول الرسول صلى الله عليه و سلم: " من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ". رواه ابن ماجه في سننه، و عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرك في دم حرام بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ". رواه الطبراني في المعجم الكبير.
نعوذ بالله من الوقوع في ذلك أو نشارك فيه بشطر كلمة من إباحة و نحوها، و نسأل الله السلامة في الدنيا و الآخرة.
رابعا: التعلل بأخذ بعض الدول الإسلامية بالموت الدماغي في نقل الأعضاءيحتج البعض من مبيحي الإماتة الدماغية بأخذ دولة مثل السعودية و غيرها بالموت الدماغي لأخذ أعضاء أجساد المرضى به، و هذا لا حجة لهم فيه؛ لأن عمل أهل بلد من البلاد لا يعد دليلا شرعيا و لا مصدرا من مصادر الأحكام في الشرع الإسلامي.
و هذا أمر يعرفه الطلاب المبتدئون في العلوم الدينية، و معلوم و مشهور أيضا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحارث – رجل من أصحابه -: " يا حار إنه ملبوس عليك؛ الحق لا يعرف بالرجال. اعرف الحق تعرف أهله ". [تفسير القرطبي]
- * * و هناك من كبار علماء المملكة السعودية من أفتى بحرمة نقل الأعضاء من الموتى، و منهم الشيخ ابن باز مفتي السعودية السابق، و إليكم نص فتواه المنشورة على الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية و الإفتاء بالسعودية
- http://www.alifta.com/Search/ResultDetails.aspx?view=result&fatwaNum=&FatwaNumID=&ID=2459&searchScope=4&SearchScopeLevels1=&SearchScopeLevels2=&highLight=1&SearchType=EXACT&bookID=&LeftVal=4475&RightVal=4476&simple=&SearchCriteria=Allwords&siteSection=1&searchkeyword=034032217134217130217132032216167217 132216163216185216182216167216161032034#firstKeyWo rdFound :
- العنوان:
حكم نقل الأعضاء بعد وفاة الميت دماغيا
(س: ما حكم نقل الأعضاء بعد وفاة الميت دماغيا كما يقولون؟
ج: المسلم محترم حيا وميتا، والواجب عدم التعرض
(الجزء رقم: 13، الصفحة رقم: 364)
له بما يؤذيه أو يشوه خلقته، ككسر عظمه وتقطيعه، وقد جاء في الحديث: كسر عظم الميت ككسره حيا ويستدل به على عدم جواز التمثيل به لمصلحة الأحياء، مثل أن يؤخذ قلبه أو كليته أو غير ذلك؛ لأن ذلك أبلغ من كسر عظمه.
وقد وقع الخلاف بين العلماء في جواز التبرع بالأعضاء وقال بعضهم: إن في ذلك مصلحة للأحياء لكثرة أمراض الكلى وهذا فيه نظر، والأقرب عندي أنه لا يجوز؛ للحديث المذكور، ولأن في ذلك تلاعبا بأعضاء الميت وامتهانا له، والورثة قد يطمعون في المال، ولا يبالون بحرمة الميت، والورثة لا يرثون جسمه، وإنما يرثون ماله فقط. والله ولي التوفيق). أهـ
و منهم الشيخ ابن العثيمين؛ حيث قال في حوار أجرته معه مجلة التوحيد المصرية ما يلي: (الذي أراه أنه لا يجوز نقل الأعضاء من إنسان لإنسان آخر لا في حياته و لا بعد الممات، و قد نص فقهاؤنا – رحمهم الله – في كتاب الجنائز من كتب الفقه أنه لا يجوز أخذ عضو من الميت و لو أوصى به؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم: " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي "، و لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى مفاسد، كما نسمع عن خطف الأطفال الصغار في بعض البلاد، ثم تقطع أعضاؤهم و تباع، و سمعنا أيضا أن الأطباء يتسرعون في الحكم بموت من مات دماغا من أجل أخذ أعضائه ن و لا تخفى مفسدة ذلك.
و الذي أراه أن هذا محرم، و أنه لا يجوز أن يتبرع أحد بعضو من أعضائه، و لا أن يوصي به، و ليس لورثته أن يتصرفوا في شيء من أعضائه). انتهى كلامه
[مجلة التوحيد، العدد الثامن، السنة السادسة و العشرون، عدد شعبان 1418هـ / ديسمبر 1997م]
و بمثل هاتين الفتيين أفتى الشيخ الشعراوي رحمهم الله
و إذا كانت الحرمة هنا في النقل من الموتى حقيقة؛ فهي في المرضى الذين يراد إماتتهم أشد؛ من باب أولى.
خامسا: الأرواح و الأجساد لا تدخل في باب الاجتهاد
و بقيت كلمة أخيرة: أن النفوس و الأبدان المعصومة محرمة على التأبيد، و لا تدخل في باب الاجتهاد بحال، و لا تستباح إلا بيقين.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد
د. أبو بكر خليل
¥