وقد وقع الخلاف بين العلماء في جواز التبرع بالأعضاء، وقال بعضهم: إن في ذلك مصلحة للأحياء لكثرة أمراض الكلى، وهذا فيه نظر، والأقرب عندي أنه لا يجوز للحديث المذكور، ولأن في ذلك تلاعبا بأعضاء الميت وامتهانا له، والورثة قد يطمعون في المال، ولا يبالون بحرمة الميت، والورثة لا يرثون جسمه، وإنما يرثون ماله فقط، والله ولي التوفيق. ا. هـ.
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث عائشة رضي الله عنها برقم (24218)، وأبو داود في (الجنائز) باب في الحفار يجد عظما برقم (3207)، وابن ماجه في (ما جاء في الجنائز) باب في النهي عن كسر عظم الميت رقم (1616).
وقد ذكر الشيخ أسامةُ بنُ غرمٍ بنِ معيضٍ الغامدي في رسالته كيفَ تغسلُ ميتاً دراسةً تطبيقيةً عمليةً في أحكامِ الجنائزِ والتي اقره عليها الشيخ ابن جبرين سنة 1426هـ:
س: ما حكم نقل الأعضاء بعد وفاة المَيِّت دماغيًا - كما يقولون -؟
ج: المُسْلِم مُحْتَرَم حَيًّا ومَيِّتًا، والواجب عدم التعرض له بما يؤذيه أو يشوه خِلْقته - ككسر عظمه وتقطيعه -، وقد جاء في الحديث: " كسر عظم المَيِّت ككسره حيًّا "، ويستدل به على: عدم جواز التمثيل به لمصلحة الأحياء، مثل أن يؤخذ قلبه أو كِلْيَته أو غير ذلك؛ لأن ذلك أبلغ من كسر عظمه.
…وقد وقع الخلاف بين العلماء في جواز التبرع بالأعضاء، وقال بعضهم: أن في ذلك مصلحة للأحياء؛ لكثرة أمراض الكلى. وهذا فيه نظر؛ والأقرب عندي: أنه لا يجوز؛ للحديث المذكور، ولأن في ذلك تلاعبًا بأعضاء المَيِّت وامتهانًا له، والوَرَثَة قد يطمعون في المال، ولا يُبَالُون بحرمة المَيِّت، والوَرَثَة لا يَرِثُونَ جِسْمُه، وإنما يَرِثُون ماله فقط. والله ولي التوفيق. (140)
س: إذا أوصى المُتَوَفَّى بالتبرع بأعضائه: هل تنفذ الوَصِيَّة؟
ج: الأرجح أنه لا يجوز تنفيذها؛ لما تقدم في جواب السؤال المُتَقَدِّم، ولو أوصى؛ لأن جسمه ليس مِلْكًا له. (141)
س: هل يجوز شَقُّ بطن المَيِّتَة لإخراج الحَمْل الحي؟
ج: يجوز للمصلحة، وعدم المفسدة، وذلك لا يُعَد مُثْلَة. ولقد سُئِلْتُ عن امرأة ماتت وفي بطنها ولد حي: هل يُشَقُّ بطنها ويُخْرَج، أم لا؟
فأجبتُ: قد عُلِمَ ما قاله الأصحاب - رحمهم الله -؛ وهو أنهم قالوا: " فإن ماتت حامل وفي بطنها ولد حي: حُرِمَ شَقُّ بطنها، وأخرجه النساء بالمعالجات، وإدخال اليد على الجنين ممن ترجى حياته، فإن تعذر؛ لم تدفن حتى يموت ما في بطنها. وإن خرج بعضة حيًا: شُقَّ للباقي ". فهذا كلام الفقهاء؛ بناء على أن ذلك مُثْلَةً بالمَيِّتَة.
والأصل: تحريم التمثيل بالمَيِّت، إلا إذا عارض ذلك مصلحة قوية مُتَحَقِّقَة؛ يعني: إذا خرج بعضه حياً: فإنه يُشَقُّ للباقي؛ لِمَا فيه من مصلحة المولود، ولِمَا يترتب على عدم الشَّقِّ في هذه الحالة مِن مفسدة موته، والحي يُراعَى أكثر مِمّا يُرَاعَى المَيِّت.
لكن في هذه الأوقات الأخيرة حين تَرَقَّى فن الجِرَاحة؛ صار شَقُّ البطن - أو شىء من البدن - لا يُعَدُّ مُثْلَة؛ فيفعلونه بالأحياء برضاهم ورغبتهم بالمعالجات المتنوعة، فيغلب على الظن أن الفقهاء لو شاهدوا هذه الحال؛ لَحَكَمُوا بجواز شَقِّ بطن الحامل بمولود حي وإخراجه، وخصوصاً إذا انتهى الحَمْل، وعُلِمَ - أو غَلَبَ على الظَّنِّ - سلامة المولود، وتَعليلهم بالمُثْلَة يَدُلُّ على هذا.
ومما يدل على جواز شَقِّ البطن وإخراج الجنين الحي: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد قُدِّم أعْلَى المَصْلَحَتَيْن، وارْتُكِبَ أهون المَفْسَدَتَيْن؛ وذلك أن سلامة البطن مِن الشَّقِّ مَصْلَحَة، وسلامة الولد ووجوده حياً مصلحه أكبر. وأيضاً فَشَقُّ البطن مَفْسَدَة، وتَرْك المولود الحي يَخْتَنِق في بطنها حتى يموت مفسدة أكبر، فصار الشَّقُّ أهون المفسدتين.
ثُمَّ نعود فنقول: الشق في هذه الأوقات صار لا يَعْتَبِره الناسُ مُثْلَة ولا مَفْسَدَة؛ فلم يبقَ شىء يُعارِضُ إخراجُه بالكُليَّة، والله اعلم (142). ا. هـ.
ـ[أحمد موسى]ــــــــ[03 - 10 - 08, 12:15 ص]ـ
وقد ناقش الشيخ وليد هذا الامر في
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=7386