تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتركه ابن القطان وعبد الرحمن، ومن الغرائب أيضا: أن يذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) من رواية ابن أبي الدنيا معلقا إياها على الحسن، ساكتا عن إسنادها ().

هذه نماذج عرضتها للتدليل على قولى، وليست والله محاولة للانتقاص من قدر الرجل أو تشويها لصورة جميلة بحق عندى وعند الناس، فالله يعلم مدى إجلالى له وإكبارى، وما هذا العرض والتقصى وتصنيف هذه الرسالة إلا من باب النصح والتبيين.

الجدير بالذكر أننى ما كنت سأكتب في هذه المسألة أبدا ولا فيما قاربها ما حييت لأننى لا أميل إلى الفروع ولا الخلاف بل أمقت ذلك كل المقت، وحسبى أننى أتقيد فى أقوالى وكتاباتى بالقرآن والسنن وما أجمع العلماء عليه، ولكنى اضطررت للكتابة فيها لأمرين إلى جانب ما سبق:

الأول: أننى وجدت أناسا يتبعون أقوالا وروايات لمجرد أن قائلا بعينه هو صاحبها دون تحقيق ولا تمحيص، ودون استناد إلا الحجج والبراهين والأدلة التى طالبنا الله بها بقوله (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).

الثانى: أن فريقا من الناس إذا ما حدثهم أحد من أهل العلم أو ممن نشأ فى محراب العلم قالوا فى تبجح إنا وجدنا العلامة فلان قال كذا والدكتور فلان قال كذا والشيخ فلان قال كذا أفنترك قول العلماء لقولك أنت، وفريق آخر أنكى مغالاة من هذا الفريق تجدهم يقولون إننا نشأنا فوجدنا هذا الأمر متعارف عليه بين العلماء والناس ولقد سمعت وشاهدت من هذا الكثير ومن ذلك أننى أذكر فى يوم من الايام وبعد صلاة العصر أراد أحد المشايخ أن يتحدث فى المسجد ليبين أمرا من الامور فمنعه رجل فى غلظة وقسوة وقال له دعنا نختم الصلاة أولا فامتثل الشيخ فى أدب وتواضع جم رغم فضيحته على الملا، ثم تحدث بعد ختام الصلاة، وبعد الانتهاء من الحديث حدث خلاف فى المسجد حول مسألة ختام الصلاة هل هى سنة أم فرض وأدلى من لديه العلم بدلوه للرجل المتعنت ومع ذلك صمم على رأيه بأنه لا حديث إلا بعد ختام الصلاة، فجاء به أحد أصحابنا إلى وقال له هذا دكتور متخصص فى أمور الشريعة فاسأله فحكى لى المسألة فقلت له إن ختام الصلاة سنة وأوضحت له مشروعيتها فشعرت بالرجل وكأن قلبه كاد أن يقف كيف به يسمع كلاما يخالف ما هو عليه وما رآه فرد قائلا ولكننا منذ الصغر ونحن نعلم بأن ختام الصلاة فرض قلت له أتترك حديث الرسول إلى سواه من تقليد للناس فلما رأى أنه لا نصير لقوله وظن أن اتفاقا أحكم ضده رد قائلا: والله لا أغشاكم فى مجالسكم ولا مساجدكم بعد ذلك.

هذا هو حال كثير من الناس وهم لا يدرون أنهم بهذا يهلكون أنفسهم ويقلدون أهل الكفر فى ذلك إذ كانوا يقولون (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)

إزاء ما سبق كان لزاما على أن أدلى بدلوى فى مسألة رفع الأيدى فى تكبيرات الجنازة من باب التوضيح لقوله تعالى (لتبيننه للناس ولا تكتمونه)، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) ()، فضلا عن أن الأمر لم يعد مرتبطا بالانشغال بالفروع عن الأصول بل ازداد الأمر سوءا حتى انشغل الناس بالتعصب لأشخاص عن الفروع نفسها، فصاروا فى حاجة إلى توضيح وتبيين ممن منح القدرة على ذلك، ومن ثم فأنا أهيب بإخوانى وأصحابى أن لا يظنون أننى بذلك تجافيت عن منهجى ومذهبى وركنت إلى الفروع وانشغلت بالقشر عن اللب، فالأمر لا يعدو مجرد توضيح وتبيين مسألة هى حقا من الفرعيات لكننى حرصت على عرضها عرضا أصوليا محققا بعيدا عن التعصب والتقليد لأحد، خاصة وأن إمام مذهبى ابن حزم الظاهرى يرى رأيا يخالف ما نراه، ولكنى كما قلت لا يعنينى إلا الدليل والبرهان، ولست أنشغل عن ذلك بالأقاويل.

وإنى لأعلم رغم ما قلت أن أناسا سينتقدوننى على خوضى فى موضوعات كهذه، ولكن حسبى أننى أدل الناس على طريق الهدى، واوجههم إلى الحق قدر طاقتى، وأتمثل بقول الله تعالى (الذين يبلغون الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله زكفى بالله حسيبا) ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير