((تتميم: ثم في أصول ابن مفلح وذكر بعض أصحابنا يعني الحنابلة والمالكية والشافعية هل يلزمه التمذهب بمذهب والأخذ برخصه وعزائمه؟
فيه وجهان: أشهرهما لا كجمهور العلماء فيتخير.
ونقل عن بعض الحنابلة أنه قال: ((وفي لزوم الأخذ برخصه وعزائمه طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع)) ... )) اهـ.
وقال أبو عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي: ((التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما ثبتت عليه حجة))
وقال في وضع آخر من كتابه: ((كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع)). اهـ نقلا عن الحسام الماحق للشيخ محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله.
ولعلمي أنّ هؤلاء القوم –يعني أهل الأهواء والتعصّب لأقوال الرّجال- لا يقتنعون إلا بكلام أئمّتهم وعلمائهم فسأنقل بعض ما جاء عن أشهر من يُعتبرُ حجّة عندهم في نبذ التقليد والتمذهب:
الأوّل هو أبو حامد الغزالي رحمه الله –، والثاني هو عبد الوهّاب الشُعراني –صاحب الطبقات رحم الله أموات المسلمين:
جاء في أوّل الفصل الثامن من كتاب ((المنخول في علم الأصول)) لأبي حامد الغزالي رحمه الله: الفصل الثامن في المسألة إذا ترددت بين مُفتيين على التناقض ولم يمكن الجمع بين قوليهما مثل: القصر في حق العاصي بسفره واجب عند أبي حنيفة والإتمام واجب عند الشافعي؟ فيجبُ على المُستفتي مُراعاة الأفضل واتّباعه ... اهـ
فأنت ترى أنّه لم يُلزمه بمذهب معيّن بل أرشده إلى مراعاة الأفضل والأقوى حجّة ودليلا واتّباعه والتزامه.
وأمّا الشعراني فقد نقل عنه الزركشي في آخر كتاب القواعد له ما مثاله: ((إنّ مطلوب الشرع الوفاق وردّ الخلاف إليه ما أمكن كما عليه عمل الأئمّة من أهل الورع والتقوى كأبي محمّد الجويني وأضرابه فإنّه صنّف كتابه ((المحيط)) ولم يلتزم فيه المشي على مذهب معيّن. انتهى
ثمّ قال الشعراني: وقد بلغنا أنّه كان يُفتي النّاس بالمذاهب الأربعة الشيخ الإمام الفقيه المحدّث المفسّر الأصولي الشيخ عبد العزيز الديوبني وشيخ الإسلام عز الدين بن جماعة المقدسي والشيخ العلامة الشيخ شهاب الدّين البرلسي والشيخ علي الثبثيتي الضرير.
وقال أيضا: إنّ كلّ مقلّد اطّلع على عين الشريعة المطهّرة –أدلّتها- لا يُؤمر بالتقيّد بمذهب واحد وربما لزم المذهب الأحوط في الدّين مبالغة منه في الطاعة.
وإلى نحو ما ذكرناه أشار الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه بقوله ((ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأبي هو وأمّي فعلى الرأس والعين وما جاء عن أصحابه تخيّرنا وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال)) ثمّ قال: إذا علمت ذلك فيقال لكل مقلّد امتنع عن العمل بقول غير إمامه في مضايق الأحوال ((إمتناعك هذا تعنّت لا ورع لأنّك تقول لنا إنّك تعتقد أنّ سائر أئمّة المسلمين على هدى من ربهم لاغتراف مذاهبهم من عين الشريعة)).
ثمّ قال: وكان الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى يقول: لم يبلغنا عن أحد من الأئمّة أنّه أمر أصحابه بالتزام مذهب معيّن لا يرى صحّة خلافه بل المنقول عنهم تقريرهم النّاس على الفتوى بعمل بعضهم بعضا لأنّهم كلّهم على هدى من ربهم.
وكان يقول أيضا: لم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر أحدا من الأمّة بالتزام مذهب معيّن لا يرى خلافه ... وكان الزيّاتي من أئمّة المالكيّة يقول: يجوز تقليد كل من أهل المذاهب في النوازل ... )) اهـ (الفتوى في الإسلام ص 156 - 158 بتصرّف)
بل نقل مثل هذا الكلام إمام الزندقة والإلحاد الصوفي الهالك محي الدين ابن عربي الطائي في الباب الثامن عشر وثلثمائة من كتابه الكفري ((الفتوحات المكيّة)) في معرفة منزل نسخ الشريعة المحمّدية وغير المحمّدية بالأغراض النّفسية!! عافانا الله وإيّاك من ذلك. (انظر نفس المصدر ص149)
لأجل هذا وذاك كان الإمام الحافظ ابن شاهين رحمه الله تعالى يقول إذا سُئل عن مذهبه: أنا محمّدي.
¥