فأين ما يتقيّأ به أتباع تقديس الرجال –كابن بريكة وشمس الدين ومن شايعهما- من أنّه يحرُمُ (!) على الجزائري المالكي (!) أن يستفتي السعودي الحنبلي (!!)؟؟
ألا يخشى هؤلاء الجُهّال أن يدخلوا في قوله تعالى: ((إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله))؟! ((وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلّم المراد باتّخاذهم أربابا فقال: ((أما إنّهم لم يعبدوهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه)) (حاشية: رواه الترمذي وحسّنه، وانظر تخريج الشيخ ناصر له في تخريج المصطلحات الأربعة للمودودي: ص18)
وقد سأل الربيع أبا العالية وهو تابعيٌّ جليل، فقال: كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟
فقال: ((إنّهم وجدوا في كتاب الله ما يُخالف أقوال الأحبار والرهبان، فكانوا يأخذون بأقوالهم، وما كانوا يقبلون حُكم الله)) (تفسير الرازي المسمّى بمفاتيح الغيب: 4/ 431) (تاريخ الفقه الإسلامي، ص142)
فما الفرق بين من اتّبع الأحبار والرهبان على تحريم الحلال وتحليل الحرام وهو يعلمُ وبين من يتّبعُ قول إمامه ومؤسس مذهبه وإن خالف الحديث الصحيح وهو يعلمُ؟!
وما الفرق بيننا -إن نحنُ فعلنا ذلك- وبين الرافضة الإمامية الذين جعلوا لهم في كلّ وقت رجلا لقّبوه بالإمام المعصوم وأوجبوا على النّاس طاعته في كلّ ما أمر والإنتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر؟!
وما الفرقُ بيننا وبين الصوفية القبورية الذين قالوا (كن أمام شيخك كالميت أمام غاسله)؟!
اللهم إنّا نبرأُ إليك من أن نشابه هؤلاء، ونبرأُ إليك من كلّ من خالف سنّة نبيّك صلى الله عليه وسلّم واتّبع قول غيره –وهو يعلم- ونعوذ بالله أن نغلوا في أئمّتنا غلوّ الصوفية والإمامية والحزبيين وصرعى التمذهب والتكودن في أئمّتهم ومشايخهم وقادتهم ومنظّريهم، بل نعرفُ لأئمّتنا قدرهم وننزلهم منزلتهم ولا نغلوا فيهم وقد قال من أرسله الله حجّة على النّاس أجمعين ((لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم إنّما أنا عبدُ الله ورسوله)) فكيف بمن دونه بلا شكّ ولا ريب؟!
من أطاع بشرا في تحليل الحرام أو تحريم الحلال وهو يعلم فقد اتّخذه ربّا من دون الله!!
جاء في فتح المجيد للإمام عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى: ((ص383 وما بعدها بتصرّف))
((باب: ((من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله)) وقال ابن عباس: ((يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟)).
قال الشارح: وهذا القول من ابن عباس -رضي الله عنهما- جواب لمن قال له: إن أبا بكر وعمر -رضي اللهعنهما- لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج، ويريان أن إفراد الحج أفضل أو ما هو معنى هذا، وكان ابن عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب ويقول: ((إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، فقد حل من عمرته شاء أم أبى)) لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، فقال سراقة: ((يا رسول الله ألِعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد)). والحديث في الصحيحين.
وحينئذ فلا عذر لمن استفتى أن ينظر في مذاهب العلماء وما استدل به كل إمام، ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك. كما قال تعالى: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)).
وبالجملة فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: ((يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء)). الحديث.
وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: ((ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم)).
وكلام الأئمة في هذا المعنى كثير.
وما زال العلماء -رحمهم الله- يجتهدون في الوقائع، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، كما في الحديث.
لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم.
¥