قَالَ غُلامَهُ الَّذِي يُمْسِكُ رَاحِلَتَهُ، أَنَّه لَيْسَ يُرِيدُ الصَّلاةَ،وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لََمَّا انْتَهَى إِلَى هَذَا المكَانِ قَضَى حَاجَتَهُ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَقْضِي حَاجَتَهُ.
وَأَقُولُ عن هَذَا جوَاب:
1 - إنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَضِيقَ دُوْنَ المَأزَمَينِ أي قَبْلَهُمَا لا فِيهِمَا،وَلا فِي نِهَايَتِهِمَا كَمَا ذَكَرَ البَاحِثُ، وَإنَّمَا دُوْنَهُمَا أيْ قَبْلَهُمَا. فَلَوْ سَلَّمْنَا لَكَ أَنَّ المَأزَمَينِ طَرِيقٌ مِنْ عُرَنَةَ بَيْنَ جِبالٍ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، فَيَكُونُ نُزُولُ ابنِ عُمَرَ دُوْنَ هَذَا الطَّرِيقِ،وَقَبْلِهِ أي بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ وَقَبْلَ دُخُولِ هَذَا الطَّرِيقِ. هَذَا مُقْتَضَى هَذَا النَّصِّ.
2 - إنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَى أَنَّ ابنَ عُمَرَ يُرِيدُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ،وَأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أتَى إِلَى هَذَا المكَانِ قَضَى حَاجَتَهُ،إنَّمَا هُوَ غُلامُ ابنِ عُمَرَ الَّذِي يَمْسَكُ رَاحِلَتَهُ. وَأَقُولُ مَنْ هُوَ؟! وَمَا مَدَى الاعْتِمَادِ عَلَى نَقْلِهِ وَذِكْرِهِ؟!!
وَقَدْ حَرَّرْتُ فِي بَحْثِي عَنْ مُزْدَلِفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمُجَرَّدِ مَا أفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ فَبَالَ فِيهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَنَّ دَلِيلِي الصَّرِيحَ،وَالوَاضِحَ فِي هَذَا الاسْتِنْتَاجِ، الألْفَاظُ الصَّرِيْحَةُ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ فِي صَحِيحِ البُّخَارِيِّ (1667): " أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ " وَهَذِهِ رِوَايةُ أبِي الوَقْتِ عَبْدِ الأوَّلِ السَّجْزِيِّ التِي يَرْوِيْهَا عَنْ شَيْخِهِ الدَّاودِيِّ عَنْ ابنِ حَمَوِيَّه السَّرْخَسِيِّ عَنْ الفِرَبرِيِّ عَنْ البُّخَارِيِّ. وَهِيَ أرْجَحُ الرِّوَاياتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: (فِي رِوَايةِ أبِي الوَقْتِ " حِينَ " وَهِيَ أوْلَى؛ (لأنَّ حِينَ ظَرفُ زَمَانٍ، وَحَيْثُ ظَرْفُ مَكَانٍ) (الفَتْحُ: 7/ 323).
وَقَدْ نَصَّ أئمَةُ اللُّغَةِ الَكِبَارِ عَلَى الفَرْقِ بَيْنَ حَيْثُ وَحِينَ:
فِي اللِّسَانِ (2/ 142) (13/ 139): (قَالَ الأصْمَعِيُّ: وَمِمَّا تُخْطِىءُ فِيهِ العامَّةُ وَالْخَاصَّةُ بَابَ حِين وَحَيْث، غَلطَ فِيه العُلَمَاءُ مِثْلُ أبِي عُبَيْدَةَ وَسِيْبَويه، قَالَ أبُوحَاتِمٍ: (رَأيْتُ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهٍ، أشْيَاءً كَثِيرَةً يَجْعَلُ حِين حَيْث، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ أبِي
عُبَيْدَةَ بِخَطِّهِ. قَالَ أبُو حَاتِمٍ: وَاعْلَمُ أَنَّ حِينَ وَحَيْثُ ظَرْفَانِ، فَحِينَ ظَرْفٌ مِنْ الزَّمَانِ وَحَيْثُ ظَرْفٌ مِنْ المكَانِ،وَلَكَلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدٌّ لا يَتَجَاوَزُهُ).
وَهَذَا هُوَ مَدْلُولُ كَلِمَةِ "حِينَ " فِي اللُّغَةِ أَنَّها ظَرْفُ زَمَانٍ تَدُلُّ عَلَى قُرْبِ وَقْتِ الشَّيءِ وَدُوْنَهُ. فِي اللِّسَانِ: (وَحَانَ حِيْنُهُ أيْ قَرُبَ وَقْتُهُ .. وَتَقُولُ ائتِنِي حِينَ مَقْدِمِ الْحَاجِّ .. وَتَقُولُ: أتَيْتُكَ حِينَ خَرَجَ الْحَاجُّ أيْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، فَهَذَا ظَرْفٌ مِنْ الزَّمَانِ .. وَحَانَ الشَّيءُ: قَرُبَ. وَحَانَتِ الصَّلاةُ: دَنَتْ.
وَاعْلَمْ أَنَّه يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِ حِين: لَمَّا وَإذْ وَإِذَا وَوَقْتٌ وَيَوْمٌ وَسَاعَةٌ وَمَتَى تَقُولُ: رَأيْتُكَ
لَمَّا جِئْتُ، وَحِينَ جِئْتُ، وَإذْ جِئْت، وَساعة جئت ... ) 7.
¥