تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجه ذلك أننا إذا نظرنا إلى هذه الصفة في تلك العلة ـ وهي كونها لا تتعدى محل النص ـ نجد أنها تتحقق في ثلاثة أنواع من العلل، كلها لا تتعدى محل النص، إلا أن لكل علة منها سبب في قصورها على محلها يختلف عن سبب قصور العلة الأخرى، و إليك بيان ذلك.

*****

قصور العلة على محلها يكون لأحد أسباب ثلاثة:

الأول / كون العلة هي نفس محل الحكم، كقولنا يحرم الربا في البر لكونه برا، و يحرم الربا في الخمر لكونه خمرا.

الثاني / كون العلة هي جزء محل الحكم، كقولنا: يحرم الخمر لكونه معتصرا من العنب.

الثالث / كون العلة لم يعلم توفرها إلا في محل الحكم، كقولنا: يحرم الربا في الذهب و الفضة لكونهما أثمانا للأشياء، و لا نعلم أثمانا غيرهما. * 29

فإننا إذا نظرنا إلى كلام الأصوليين في عدم تعدية العلة القاصرة نجد أنه ينطبق على النوعين الأولين من العلل، و ذلك لأنه يعلم بالبديهة أن العلة التي هي نفس محل النص لا يمكن لها أن تتعدى، فالخمر إذا قلنا إنه يحرم لكونه خمرا، فإن كل ما هو خمر فهو حرام، و كل ما ليس بخمر فليس بحرام، فلن تخرج العلة عن المحل قط، لأن العلة هي نفس المحل، وهذا مفهوم عقلا و لا يحتاج إلى استدلال، و كذلك التعليل بجزء المحل.

و أما كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى فإنه ينطبق على النوع الثالث من العلل القاصرة، و التي هي سبب قصورها هو مجرد عدم توفر العلة في غير محل النص، و لا يكون من صفة ذات العلة أنها لا تصلح لغير محل النص، بل هي في نفسها صالحة للتحقق في غير محل النص، إلا أنها لم تتحقق في غيره، فقيل لها قاصرة لذلك، ولا ينفي ذلك أنها (مؤهلة) لأن تتعدى حتى لو لم تكن متعدية زمان تسميتها بالقاصرة. لذلك كان من فائدتها ـ كما ذكر النووي رضي الله عنه ـ أنها تتعدى. لذا كان في التعليل بالمحل ضياع لفائدة تلك العلة، لأننا حينئذ نكون قد نفينا (أهلية تلك العلة) وجعلنا (أهليتها) قاصرة على المحل الحاضر، في حين لو عللنا بها ـ حتى مع قصورها ـ فإن ظهورها كعلة ولزوم (أهلية) التعدي بها يفيد إمكان تعديتها إلى غير ذلك المحل. فأين تفسير فضيلة المفتي من ذلك؟

يؤيد ما ذكرناه قول ابن النجار:

(وجوز قوم من العلل القاصرة كون العلة محل الحكم أو جزء محله) *30

و الشاهد إنما هو في قوله (من العلل القاصرة) مما يدلك على تعدد أنواعها.

ويؤيده أيضا قول الإمام النووي رحمه الله تعالى:

(و الثانية ـ أي من فائدتي العلة القاصرة ـ أنه ربما حدث ما يشارك الأصل في العلة فيلحق به، و أجابوا عن الفلوس بأن العلة عندنا كون الذهب و الفضة جنس الأثمان غالبا، و إن لم تكن أثمانا، و الله سبحانه أعلم) * 31

و الشاهد إنما هو في قوله (وأجابوا عن الفلوس ... ) فهذا جواب من الإمام النووي على معترض بأن ما ذكره الإمام النووي من الفائدة الثانية للعلة القاصرة يستلزم جريان الربا في الفلوس لأن الثمنية قد توفرت بها، و أنتم معاشر الشافعية لا تقولون بذلك، فكان جواب الإمام النووي بأن العلة هي غلبة الثمنية و ليست مطلق الثمنية، و الفلوس لم تتوفر فيها غلبة الثمنية، و إن كان توفر فيها نوع ثمنية.

فانظر هنا إلى جواب الإمام النووي بأن الفلوس لم تتحقق فيها علة غلبة الثمنية، فتضمن جوابه كون العلة في الذهب و الفضة تخالف العلة في الفلوس، وأنها في الذهب و الفضة غلبة الثمنية، وما توفر في الفلوس هو نوع ثمنية لا يخولها لأن تأخذ حكم الذهب و الفضة، و لم يكن جوابه بأن العلة لا تتعدى الذهب و الفضة، بل أقر مبدأ المعترض في وجوب التعدية لو توفرت في غير محل النص، ثم أجاب عن الاعتراض بكون العلة مختلفة. تأمل

و مثل كلام الإمام النووي كلام الإمام الشربيني كما في شرحه على المنهاج حيث قال:

(واحترز بغالبا عن الفلوس إذا راجت فإنه لا ربا فيها كما تقدم) * 32

حيث جعل قيد الغلبة هو المخرج للفلوس، ولو كانت العلة هي ذات الذهب و الفضة لكانت الفلوس خارجة بمجرد ذكر الذهب و الفضة، و لما احتاج إلى قيد الغلبة لإخراجها.

وتأمل أيضا ما علل به الإمام النووي قصور العلة على الذهب و الفضة حيث قال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير