تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أرجو منك التعليق عليه ما دمت بحثت المسألة

لا ربا ولا زكاة اليوم في الذهب والفضة هو لازم الفتوى المعتمدة الآن

د. حمزة بن محمد السالم:

كنت من قبل هذه السلسلة التي بدأتها بمقال الأندلسي أتجنب طرح المسألة طرحا مباشرا وذلك من باب السياسة الشرعية. وكنت قد قررت التوقف عند ما كتبته سابقا فقد قدمت العذر إلى الله وأبرأت الذمة. وما دعاني إلى الاستمرار نصائح الفضلاء من كبار أهل العلم الذين تطمئن النفس بتعبد الله على آرائهم في استنباط أحكام الله. فقد شدوا من أزري وزودوني بالزاد من منقولات ومن عقليات، وحذروني لفظيا من تخذيل المخذلين وتثبيط المثبطين، كما نهوني عن حدة عابوها علي في بعض كتاباتي. وهم في ذلك يؤكدون أن أصول الدين ثابتة ما دامت السموات والأرض, وأما أحكامه الفقهية فقد تختلف باختلاف الزمان والمكان والأعراف.

اجتمعت هيئة كبار العلماء عام 1398هـ أي قبل 33 عاما لتقرر الفتوى الرسمية التي ستعتمدها الديار السعودية بشأن الفلوس المعاصرة, وخرج قرار الهيئة بالأغلبية وليس بالإجماع بأن الفلوس المعاصرة تعد نقدا قائما بذاته اعتمادا لقياس الفلوس المعاصرة على النقدين بعلة مطلق الثمنية في جريان الربا في الذهب والفضة والتي هي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم, ورويت في روايات غير معتمدة في بعض المذاهب الأخرى. وفتوى هيئة كبار العلماء تحتاج إلى وقفات عدة مع حيثياتها ومعطياتها ونتائجها، نقدم لها في هذا المقال.

وتمهيدا للطرح، فإن أقوال علماء السلف التي هي مستند كل مسلم ومستند جميع الباحثين في هذه المسألة يمكن حصرها في ثلاثة أقوال معتمدة لاستنباط علة الربا في الذهب والفضة.

أحدها رأي الأحناف والحنابلة بأن العلة هي الوزن فما كان موزونا قيس على الذهب وما لم يكن فلا. ونكتفي بهذا لأن فلوسنا المعاصرة لا توزن إنما هي ورق يُعد أو رقم يُقرأ, لذا فهذا القول قد خرج من البحث ولم يطرح في قرار الهيئة.

لنحصر المسألة في القولين الآخرين اللذين هما موضع اختلاف معظم علمائنا المعاصرين ـ رحمهم الله.

القول الأول وهو رأي الشافعية والمالكية في المشهور أن علة الربا في الذهب والفضة هي غلبة الثمنية, وهو اختيار ابن عثيمين ومن وافقه كما بينت في المقال السابق.

وأما القول الثاني فهو رأي ابن تيمية وابن القيم وأقوال غير مشهورة في بعض المذاهب، وهو أن علة الربا في الذهب والفضة هي مطلق الثمنية, وهو اختيار غالب أعضاء الهيئة في فتواها عام 1398هـ.

وسأختصر المسألة هنا اختصارا لا يخل بالفهم.

القول بغلبة الثمنية كعلة للربا يعني اقتصار الربا على الذهب والفضة سواء أكانا ثمنا أو سلعة أو حُليا. ولكن لا يقاس أي شيء آخر عليهما بما في ذلك الفلوس المعاصرة. أي أن العلة هنا قاصرة غير متعدية في الحكم, لذا يرى الشيخ ابن عثيمين ومن وافقه في هذا الرأي يُجري الربا ويلزم الزكاة في حلي الذهب والفضة حتى ولو لم يكونا ثمنين.

وينطرد هذا الحكم في وقوع الربا ولزوم الزكاة في الذهب الذي لم يعد ثمنا في وقتنا الحالي بل سلعة تباع وتشرى في سوق السلع الدولية.

وأما القول بمطلق الثمنية الذي اختارته الهيئة فهو لفظ عام يدخل في أفراده الفلوس والذهب والفضة وأي شيء جُعل ثمنا ولكنه يُخرج ما لم يعد ثمنا كالذهب والفضة إذا أصبحا حُلية أو أصبحا سلعة لا يُقصد الثمن فيه. لذا فالقائلون بهذه العلة لا يجرون الربا والزكاة في حُلي الذهب لغلبة السلعة عليه لا الثمن.

ومثال إطلاق العلة هو إطلاق علة الإسكار في الخمر. فالإسكار لفظ عام يُدخل في جميع أفراده كل مسكر ولو كان غازا أو حبوبا أو عسلا.

ولكن يخرج ما ليس بمسكر كالخمر والنبيذ إذا نُزعت منه مادة الكحول فأصبح خلا أو عصيرا.

والذهب بصورته الآن في أسواق السلع العالمية هو سلعة من السلع بل إنه لم يعد يصلح ألبتة لأن يكون ثمنا لأنه متذبذب السعر نسبة إلى الفلوس المعاصرة فاستُبعد حتى من الحسابات الرسمية للاحتياطيات النقدية للبنوك المركزية. الذهب والفضة الآن في الغالب، والحكم للغالب، لا يقصد فيهما إلا الربح والتجارة كسائر السلع لا الثمنية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير