تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

7 _ وَقَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ _ رحمهُ اللَّهُ _: " وَأَمَّا رَفْعُ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ: فَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرةٌ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا مَسْحُهُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ حَدِيثٌ، أَوْ حَدِيثَانِ، لاَ يَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ، وَاللَّهُ أعلمُ " (12).

والَّذي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ: أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ في مَسْحِ الوَجْهِ بَعْدَ الدُّعَاءِ _ سَوَاء أَكَانَ ذَلِكَ في دَاخِلِ الصَّلاةِ أَمْ في خَارِجِهَا _ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلاَ أَثَرٌ عَنْ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ الحسنِ البَصْريِّ مِنَ التَّابِعِينَ، ومَعْمَرِ بنِ راشدٍ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ قَالَ عامرُ ابنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبيُّ _ وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ _: " مَا حدَّثوكَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه ِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ فَخُذْ بِهِ، وَمَا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ؛ فَبُلْ عَلَيْهِ " (13)، وَقَالَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَمْرٍو الأوزاعيُّ _ وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ _: " العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ محمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَا لَمْ يَجِىءْ عَنْ أَصْحَابِ محمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَيْسَ بِعِلْمٍ " (14)، قَالَ أَبُو شَامةَ المَقْدِسِيُّ _ مُفسِّراً قَوْلَهُ _: " يَعْنِي: مَا لَمْ يَجِىءْ أَصْلُهُ مِنْهُمْ " (15).

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: " سمعتُ أَبَا عبدِ اللَّهِ _ أَيْ: أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ _ يُسْأَلُ: إِذَا جَاءَ الشَّيءُ عَنِ الرَّجُلِ مِنَ التَّابِعِينَ، لاَ يُوجَدُ فِيهِ عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يأْخُذَ بِهِ؟، قَالَ: لاَ " (16).

وَبِمَا أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ كَمَا في الحَدِيثِ: " الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ " (17)، وَالأَصْلُ في العِبَادَةِ أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ، فَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا تَوْقِيفِيٌّ _ أيضاً _، فَالأَوْلَى بِالمُسْلِمِ أَنْ يَلْتَزِمَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذَلِكَ، وَلاَ يَتَعَدَّاهَا.

وَقَدْ سُئِلَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ في المملكةِ السُّعوديةِ عَنْ هَذِهِ المسألةِ، فَأَجَابَتْ بضَعْفِ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِيهَا، ثمَّ قَالَتْ: " وَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ عِبَادَةً مَشْرُوعَةً، وَلَمْ يَثْبُتْ في مَسْحِ الوَجْهِ بِالكَفَّينِ _ عَقِبَهُ _ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ وَلاَ عَمَلِيَّةٌ، بَلْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ، فَمَسْحُ الوَجْهِ بِهِمَا بَعْدَ الدُّعَاءِ غيرُ مَشْرُوعٍ، وَبِاللَّهِ التَّوفِيقُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نبيِّنا محمَّدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ " (18).

ومِنْ أَعْجَبِ مَا وقَفْتُ عَلَيْهِ ممَّا يتعلَّقُ بمسألةِ مَسْحِ الوَجْهِ؛ أنَّ الإمامَ ابنَ الجَزَريِّ في كِتَابِهِ " النَّشرِ " (19) ذَكَرَ آدَابَ الدُّعَاءِ، وَمْنِ ضِمْنِهَا مَسْحُ الوَجْهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهَا بحَدِيثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ، وعمرَ بنِ الخطَّابِ، والسَّائبِ بنِ يزيدَ، عَنْ أَبِيهِ _ رضوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ _، واسْتَشْهَدَ لَهَا برُؤيا مَنَاميَّةٍ؛ فقال: " وَرَأَيْتُ _ أَنَا _ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في شِدَّةٍ نَزَلَتْ بِي وَبِالمُسْلِمِينَ في سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمائةٍ؛ فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا، ثمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".

أقولُ: وَمَتَى كَانَ يُسْتَفَادُ مِنَ الرُّؤَى أَحْكَاماً شَرْعِيَّةً؟!.

تَمَّ بحمدِ اللَّهِ تعالى

% % %

(1) " صلاة الوتر " لمحمَّدِ بنِ نصرٍ المروزيِّ (رقم: 75)، ومختصره للمقريزيِّ (ص: 152).

(2) المصدرينِ السَّابقينِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير