أن الاستقراء يدل على أن الأمر بعد الحظر يدل على رجوع حال الفعل إلى ما كان عليه قبل الحظر، فإن كان قبله مباحا رجع إلى الإباحة، وإن كان واجبا رجع إلى الوجوب، وهكذا، فالصيد مثلا كان مباحا ثم حظر بقوله تعالى: (غير محلي الصيد وأنتم حرم)، ثم أمر به بقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا)، فيرجع إلى ما قبل الحظر، وهو الإباحة، وقتل المشركين كان واجبا لقوله: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)، ثم حظر في الأشهر الحرم لقوله: (منها أربعة حرم)، ثم أمر به في قوله:"فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ "، فيرجع إلى ما قبل الحظر، وهو الوجوب.
وأجيب:
- أن القواعد الأصولية لا ينظر في تقريرها إلى الفروع الفقهية، وذلك لأن القواعد سابقة على الفروع في الوجود، والفروع لاحقة لها، وما كان كذلك فلا يصلح لأن يكون دليلا.
- أن هذا الاستقراء استقراء ناقص، والقاعدة في الأصول: [أن الاستقراء الناقص ليس بحجة].
-على فرض حجية الاستقراء الناقص، فإن هذا الاستقراء منقوض بأوامر جاءت بعد حظر سابق، ولم يأخذ الفعل حكمه قبل الحظر، وذلك كما في الأمر بالنظر إلى المرأة عند العزم على نكاحها، فإنه للوجوب -وقيل للاستحباب-، مع أنه أمر بعد حظر -النهي عن النظر للمرأة الأجنبية-، والحكم السابق للحظر الإباحة بناءا على الأصل.
القول الخامس: التوقف حتى يرد البيان،
حكاه سليم الرازي عن المتكلمين، واختاره أبو المعالي الجويني، والغزالي في المنخول، والسيف الآمدي.
[انظر: البحر المحيط (2/ 380)، البرهان (1/ 188)، المنخول ص131، الإحكام (2/ 198)].
دليلهم:
أن الأمر بهد الحظر جاء للإيجاب، وجاء للندب، وجاء للإباحة، وهو محتمل لهذه المعاني على جهة السواء، و بهذا تحقق حد الإجمال، والقاعدة في الأصول: [يجب التوقف في المجمل إلى أن يرد البيان].
وأجيب: بأن احتمال الإيجاب أرجح، لأن هذا هو المراد من صيغة الأمر عند الإطلاق، وبهذا تحقق حد الظاهر، والقاعدة في الأصول: [يجب العمل بالظاهر ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل].
الترجيح:
تبين لي بعد عرض الأقوال في المسألة، وأدلة كل قول، أن الراجح في المسألة القول الأول، وذلك لسلامة بعض أدلته من المناقشة، وعدم سلامة أدلة الأقوال الأخرى.
.................................................. ......................
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[11 - 04 - 10, 01:08 م]ـ
المسألة الرابعة عشرة:
في الآية دليل على جواز إتيان المرأة الحائض في فرجها بواسطة "الواقي الذكري" ( Male Condom) ومأخذ الحكم من قوله: {قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}، فحرم الله عز وجل إتيان المرأة في حال الحيض، وعلل ذلك بكونه أذى، وعدم حصول الأذى مأمون في إتيانها على هذه الصورة، والقاعدة في الأصول: [أن الحكم يزول بزوال علته]، ومن ثم يرجع إلى الأصل (إباحة المرأة لزوجها)،
إذ القاعدة في الأصول: [أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام].
.................................................. ................
المسألة الخامسة عشرة:
في الآية دليل على مشروعية التوبة (أي: الرجوع عن حال المعصية إلى حال الطاعة)، ومأخذ الحكم من قوله: {إن الله يحب التوابين}، والقاعدة في الأصول: [أن محبة الله للفاعل تدل على مشروعية فعله (أي: القدر المشترك بين الإيجاب والندب)]، وقد قامت الأدلة على وجوب التوبة، ومنها
1 - قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
2 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}:
3 - ما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن الأغر بن يسار المزني، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ»:
وجه الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب: أنها قد تضمنت الأمر بالتوبة، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب].
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في المراد بالتوبة في هذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد التوبة من الذنوب، قاله عطاء:
القول الثاني: أن المراد التوبة من الشرك، قاله سعيد بن جبير:
¥