تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الاعتراض الأول: أن الحديث ضعيف، لا يحتج به، فقد قال عنه أبو داود: هذا حديث منكر (50)، كما ضعَّفه ابن طاهر، وهو من مرويات سليمان ابن موسى (51)، وقد تفرد به عن نافع ولم يروه عنه غيره (52).

وأجيب عنه من وجهين:-

الوجه الأول: قال ابن قدامه - رحمه الله تعالى -:

"رواه الخلالمن طريقين، فلعلَّ أبا داود ضعَّفه؛ لأنه لم يقع له إلا من أحد الطريقين " (53).

وذكر في عون المعبود - عند قول أبي داود: "هذا حديث منكر" - أنه لا يُعلم وجه النكارة فيه، إذْ أنَّ رواته كلهم ثقات، ولم يخالفوا غيرهم من الثقات (54).

الوجه الثاني: أما قولهم بتضعيف سليمان بن موسى، فإنه حسن الحديث وثَّقه غير واحد من الأئمة (55)، وله متابعان (56) عند أبي داود (57) والبيهقي (58)، فهذان متابعان له، ولم يتفرد به، خلافاً لمن زعم ذلك.

الاعتراض الثاني: ليس في الحديث دليل على حرمة المزمار حيث أقر النبي صلى الله عليه وسلم الراعي على الزمر بها ولم ينكر عليه، كما أنه لم يمنع ابن عمر رضي الله عنه من سماعه، ومثله ابن عمر مع نافع، ولا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسره؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك وإنما تجنب سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا؛ كتجنبه الأكل متكئاً، أو لأنه كان في حالة ذكر وفكر، والسماع يشغله، فسَدَّ أذنيه لذلك (59).

وأُجيب عن هذا الاعتراض من وجوه:-

الوجه الأول: أن المحرم هو الاستماع لا السماع، والاستماع غير السماع؛ ولهذا فرَّق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع، ولم يوجبوا على من سمع شيئاً محرماً سَدَّ أذنيه، فمن كان مجتازاً بطريق وسمع ذلك فإنه لا يأثم باتفاق المسلمين، والمستمع هو الذي يقصد السماع، ولم يوجد هذا من ابن عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من نافع مع ابن عمر، وإنما وجد منهما السماع فقط، فلم يكن عليهما سَدُّ آذانهما (60).

الوجه الثاني: "أنه إنما سَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم أذنيه مبالغة في التحفظ حتى لا يسمع أصلاً.

فتبين بذلك أن الامتناع من أن يسمع ذلك خير من السماع، وإن لم يكن في السماع إثم، ولو كان الصوت مباحاً لما كان يسد أذنيه عند سماع المباح، بل سد أذنيه لئلا يسمعه، وإن لم يكن السماع محرماً دل على أن الامتناع من الاستماع أولى، فيكون على المنع من الاستماع أدل منه على الإذن فيه" (61)، ففعله صلى الله عليه وسلم هذا من باب الورع (62).

الوجه الثالث: أن بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه؛ لأنه عدل عن الطريق، وسد أذنيه، فلم يكن ليرجع عن الطريق، ولا ليرفع إصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة (63).

الوجه الرابع: أنه لم يُعْلَم أنَّ الرفيق كان بالغاً، أو كان دون سن البلوغ (64)، والصبيان يُرخَّص لهم في اللعب، مالا يُرخَّص للبالغ (65).

الوجه الخامس: أن أفعاله صلى الله عليه وسلم حجة كأقواله، فحين فعل ذلك بادر ابن عمر رضي الله عنه إلى التأسي به، وكيف يُظن به ترك التأسي وهو من أشد الصحابة تأسياً؟ (66).

أما عدم الإنكار على الراعي فلا يدل على الإباحة؛ لأنها قضية عين، فلعله سمعه بلا رؤيته، أو بعيداً منه على رأسجبل، أو مكان لا يمكن الوصول إليه، أو لَعَلَّ الراعي لم يكن مكلفاً فلم يتعين الإنكار عليه (67).

وقد يقال: بأن من"شرط وجوب الإنكار؛ كونه مجمعاً عليه، أو يعتقد الفاعل التحريم، واليراع مختلف فيه، ويحتمل أن الراعي كان يعتقد حِلَّه باجتهاد منه، أو بتقليد لمن أفتاه بِحِلِّه من المجتهدين، أو أنه قام مانع من الإنكار" (68) - والله تعالى أعلم -.

الحديث الثالث:-

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله عز وجل حرَّم الخمر والميسر والكوبة (69)، وكل مسكر حرام) (70).

وجه الاستدلال: في هذا الحديث بيان حكم من يضرب على الطبل المعروفة بالكوبة ومن يستمع إلى الضرب عليها، وأن فاعل ذلك مرتكب لأمر محرم، ويقاس عليها غيرها من آلات اللهو والطرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير