وقد فسر الشافعي ـ فيما ذكره المزني والربيع والزعفراني عنه ـ معنى نهي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بيعتين في بيعة: أن أبيعك عبدا بألف نقدا، أو ألفين إلى سنة، ولا أعقد البيع بواحد منهما، فهذا تفرق عن ثمن غير معلوم.
والذي ذكر ابن عبد البر في مسألة العقد على أحد الثمنين على القطع والافتراق على ذلك أن ذلك جائز حتى عند أبي حنيفة وأصحابه.
بل إن ابن عبد البر أوجز المسألة كلها بقوله: " ولا يجوز عند مالك والشافعي وأبي حنيفة إن افترقا على ذلك بالالتزام، حتى يفترقا على وجه واحد ".
قال الشيخ خليل في مختصره مع شرحه الكبير للدردير معددا الممنوعات: " (وكبيعتين) جعلها بيعتين باعتبار تبدد الثمن في السلعتين والثمن في السلعة الواحدة (في بيعة)، أي عقد واحد. وفسر ذلك بقوله (يبيعها بإلزام بعشرة نقدا أو أكثر لأجل)، ويختار بعد ذلك. فإن وقع لا على الإلزام، وقال المشتري: اشتريت بكذا فلا منع ".
وقال الترمذي عند إيراده لحديث النهي عن بيعتين في بيعة: " والعمل على هذا عند أهل العلم. وقد فسر بعض أهل العلم، قالوا: بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين , ولا يفارقه على أحد البيعتين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس، إذا كانت العقدة على أحد منهما ".
الدليل الثالث: ما ذكرناه من الأدلة السابقة من أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باشتراء البعير بالبعيرين من إبل الصدقة يدل دلالة واضحة على أن الثمن المؤجل يزيد على الثمن الحال؛ إذ لو كان حالا لكان البعير ببعير.
الدليل الرابع: قياس الزيادة غي الثمن المؤجل على عقد السلم. وذلك أن ثمن المسلم فيه يكون أقل وقت العقد عنه لو كان حالا، فهذه الزيادة لأجل الأجل؛ فلما جاز إنقاص ثمن المسلم فيه مقابل تأخيره، جازت زيادة الثمن المؤجل مقابلة لتأخيره.
وبناء على هذه الأدلة وغيرها فقد ذهب الجمهور ـ كما علمنا ـ إلى جواز البيع إلى أجل مع زيادة في الثمن على ما لو باعه نقدا. وفسروا حديث النهي عن بيعتين في بيعة بما إذا تفرقا ولم يجزم المشتري بالأخذ بأحد الثمنين، أما إذا أخذ بأحدهما فالبيع صحيح.
وقد مر بنا كلام المالكية في المسألة، ولا يختلف الأمر عند الشافعية والحنابلة، فالممنوع عندهم هو عدم الجزم بأحد الثمنين. وهو الذي ذهب إليه ابن الرفعة من الشافعية. وقال ابن قاسم العبادي في الحاشيته معلقا على قول الشارح (بألف نقدا أو ألفين إلى سنة): قضيته بطلان ذلك وإن قبل بأحدهما معينا وهو الأوجه ".
ولا يختلف رأي الإباضية عن المالكية فيما يظهر من كلام الجربي في حاشيته على الإيضاح، فقد قال صاحب الإيضاح: " ومن باع سلعة بكذا وكذا نقدا أو كذا وكذا نسيئة , وأخذ السلعة ومر، ولم يقطعا لذلك ثمنا وأشهدا عليه بأحد البيعتين أو أحد الأجلين، فإن ذلك عندنا لا يثبت؛ لأنهما لم يقطعا له بيعا معلوما ... " قال الجربي: " وأما الزيادة في الثمن على القيمة إذا اشترطها إلى أجل معين، فلا بأس بالإجماع ".
إذن سبب المنع هو عدم معرفة ما وقع عليه العقد، أما إذا اتفق البيعان على بيعة واحدة من البيعتين في مجلس العقد صح البيع. وقد روي ذلك عن الزهري، وطاووس، وابن المسيب , وقتادة.
وقد أيد الشوكاني هذا النوع من البيوع في نيل الأوطار، فقد قال بعد أن بين من منعه: " وقالت الشافعية، والحنفية، وزيد بن علي، والمؤيد بالله، والجمهور إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه، وهو الظاهر ". وبين أنه ألف رسالة مستقلة في هذا الموضوع سماها: " شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لأجل الأجل ". وقد ورد اسمها في نيل الأوطار: " شفاء الغليل [كذا في المطبوع والصواب: الغلل] في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل ".
تاسعا: هل ينطبق حكم الربا على زيادة الثمن لأجل الأجل؟
ذهب بعض الناس إلى أن القول بذلك لا يصلح؛ لأنه يؤدي إلى الربا؛ إذ لا فرق بين هذه المسألة وبين تأخير الدين مع الزيادة، الذي هو عين الربا باتفاق.
ورد الجمهور هذا القول بأمور:
¥